ليس من الضروري التذكير بلحظات التوتر والخوف التي عاشها اللبنانيون جراء الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وجزءًا من سوريا، وعلى الرغم من ان نتائج الزلزال في لبنان بقيت اقل بكثير من المأساة التي يعيشها الاتراك والسوريون، بحيث اقتصرت الاضرار على العامل النفسي فقط، الا انه تم فتح الباب امام مسألة اخرى هي الانتخابات البلدية، لان الحديث عنها نشط اكثر من السابق بعد الهزات المتلاحقة، وسط اجواء عامة توحي بأن ارجاءها لمدة عام آخر هو على الطريق. وكان لافتاً تصريح وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي من بكركي بالامس حين شدد على ان لا تأجيل للانتخابات البلدية، وعلى انه لا يحتاج الى الاعتمادات قبل شهر نيسان المقبل. اما الرابط بينها وبين الهزات، فيعود الى رغبة البعض في تعزيز وتطبيق اللامركزية الاداريّة والسماح بالتالي للبلديات في ادارةشؤونها خلال الكوارث مثلاً بغض النظر عن هيئة ادارة الكوارث والازمات غير المؤهلة اصلاً منذ سنوات (وحتى بعد سنوات) للتعامل مع كوارث طبيعية كبيرة اذا ما شهدها لبنان، لا سمح الله.

ووفق ما يتم تداوله في الصالونات السياسية من قبل اكثر من طرف من مختلف الاحزاب والانتماءات السياسية، فإن التأكيدات الرسمية تبقى بعيدة عن الواقع العملي، وان الانتخابات لن تبصر النور قبل الانتخابات الرئاسيّة التي بدورها يبقى موعدها غير محسوم، بانتظار التطورات والاحداث التي تتلاحق في اكثر من منطقة من العالم. وتتمترس الاطراف السياسية خلف رؤساء البلدية الحاليون، ولا يبدو انهم متحمسون-جميعهم من دون استثناء- الى الدخول في حسابات الربح والخسارة غير المضمونة، خصوصاً بعد ما تعرضوا له في الانتخابات النيابية الاخيرة والتي وضعت الكثيرين منهم في موقف غير مريح بعد ان كانوا يتوقعون الفوزبفارق كبير. ولم يتغيرالوضع بالنسبة الى البلديات ورؤسائها لجهة الابتعاد عن كل ما من شأنه اثارة غضب او ازعاج من اتى بهم، وبالتالي فإن الحل الانسب يبقى في الابقاء على رؤساء البلديات في مواقعهم وهو امر يرضيهم بشكل كبير من دون شك، وفي ابعاد "وجع الرأس" عن رؤساء التيارات والاحزاب السياسية، مع كل ما يعنيه ذلك من "حظوظ" البعض في التواجد ضمن نطاق بلدية ناشطة وفاعلة، او ضمن نطاق اخرى تكتفي بـ"الترقيع" وتسيير الامور بشكل موقت من دون عناء ايجاد الحلول اللازمة لتفعيل عمل البلدية لما فيه مصلحة المواطنين. ووفق ما تم سماعه في الصالونات، فإن رؤساء البلديات الحاليين قد نجحوا في تحصين انفسهم عبر نسج شبكة اتصالات مع كل الفاعلين في نطاق البلدية، وفي مقدمهم اصحاب المولّدات الذين "يفرضون" ما يريدون على رؤساء البلديات من دون قدرة هؤلاء على رد أي طلب، اما طمعاً بالناخبين الذين يمكنهم ضمان اصواتهم ليس فقط في الانتخابات، انما في المناسبات او اي امر آخر. واما طمعاً بالتقديمات التي ينالونها من اصحاب المولدات وغيرهم، والتي تنعكس راحة وبحبوحة على المستفيدين منها، مع تنامي الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة.

ومن المنطقي اعتبار تضافر الاسباب التي تؤدي الى ارجاء الانتخابات البلدية، اكثير بكثير من تلك التي تؤدّي الى حصولها في موعدها (شهر ايار المقبل)، فالسباق الرئاسي لم تتضح صورته بعد، وبالتالي فإن المعنيين به سياسياً وحزبياً لن يكونوا في معرض التفريط بما هو مضمون لهم لاجراء انتخابات قد تفقدهم بعضاً من نفوذهم و"تجيّره" الى الاخصام في السياسة، لانه سينعكس حتماً على المسار الرئاسي وما يليه من تقاسم للحصص والمواقع. اما من الناحية اللوجستية والفنية، فيقول مولوي انه جاهز لاجرائها، ولكن السؤال يبقى حول حقيقة هذه الجهوزيّة في وقت كانت الانتخابات النّيابية التي اجريت بدعم مباشر وقوي من الخارج (مادياً ولوجستياً وسياسياً) عرضة للكثير من الصعوبات التي تمّ تذليلها في اللحظات الاخيرة التي سبقت ساعة الصفر للاقتراع، فيما كان لبنان يحظى برئيس جمهورية شرعي وحكومة كاملة الصلاحيّات، وهما امران يفتقدهما البلد ولو انهما لا يؤثّران بشكل مباشر على اجراء الاستحقاق البلدي، لكنهما اساسيان في كل استحقاق.

ولا يجب ان ننسى ان الكلام عن اللامركزية الادارية، اذا ما قدر له ان يبصر النور، من شأنه ان يضخّم صلاحيات رؤساء البلديات، وهو ما سينعكس حتماً على داعمي رئيس البلدية من الاطراف السياسية التي ستكون لها الكلمة الاولى في شؤون البلديّة والناس فيها، فهل من هو مستعد للتفريط بذلك كي يحترم المواعيد؟.