على وقع موجة كبيرة من التصعيد، رافقت الأسبوع الذي شهد المواجهة القضائية على خلفية تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت والإرتفاع الكبير بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، كان الحراك الأبرز على المستوى السياسي خروج رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط من دائرة تأييد رئيس حركة "الإستقلال" ميشال معوض، طارحاً مجموعة من الأسماء التي رأى إمكانية التوافق عليها.

هذا الحراك، جاء قبل أيام قليلة من الإعلان عن لقاء باريس، الذي عقد أول من أمس من دون أن ينجح في الوصول إلى أيّ نتيجة عملية تذكر، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو إنعكاس ذلك على مستوى الأفرقاء السياسيين الأساسيين، بالإضافة إلى باقي الحراكات التي كانت تشهدها الساحة المحلية بالتزامن.

من حيث المبدأ، تفيد مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، أن حراك جنبلاط أدخل ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى قلب المعركة الرئاسيّة، على قاعدة أنه من الممكن أن يكون الخيار الوسطي القادر على جمع البعض من الأفرقاء الداعمين له، لكن في المقابل ما ينبغي التوقف عنده هو أن الباقي منهم، الذي كان من المفترض أن تستهدف المبادرة تبديل وجهة نظرهم، لم يتعاملوا مع هذا الطرح الجديد بالشكل المطلوب.

في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أن رئيس "الاشتراكي" كان يظن أن ترشيح عون من الممكن أن يقود إلى تراجع قوى الثامن من آذار عن دعم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، لا سيما أن هذه القوى كانت تحتسب نواب "اللقاء الديمقراطي" من بين الأصوات التي من الممكن أن يحصل عليها مرشحها، لكن من الناحية العملية ردة الفعل كانت بتجديد التأكيد على الإستمرار بدعم فرنجية، أي الحفاظ على الواقع الراهن بالنسبة إلى هذا الفريق.

في المقابل، تشير هذه المصادر إلى أن باقي القوى المؤيدة لترشيح معوض لم تستوعب مبادرة جنبلاط، خصوصاً أنها لم تكن منسقة معها، وهو ما عبرت عنه عضو كتلة "الجمهورية القوية" النائب ستريدا جعجع، بعد زيارة وفد من الكتلة بكركي، حيث تحدثت عن أننا "تمنينا لو نسق معنا لكانت نجحت مبادرته"، الأمر الذي من الممكن أن يفسر على أساس أنه خسارة ورقة جديدة في السباق الرئاسي، كان من الممكن تفاديها، لا سيما أن قوى الثامن من آذار باتت تنظر إلى قائد الجيش على أساس أنه المرشح الأساسي لدى الفريق الآخر.

على صعيد متصل، توضح المصادر النيابية المتابعة أن مصير الحراكات الأخرى لم يكن أفضل حالا، نظراً إلى أن ذلك الذي كان يسعى إلى تأمين أغلبية 65 صوتاً لصالح رئيس تيار "المردة" اصطدم بالعديد من المطبات، أبرزها رفع لواء القوى المسيحية ورقة التهديد بتطيير نصاب جلسات الإنتخاب، في حال قرر الفريق الآخر الذهاب إلى هذا السيناريو، بينما كان جنبلاط يؤكد أنه لا يمكن أن يؤيد أي خيار بعيداً عن موقف القوى المسيحية الأساسية.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أنه لم يبق على بساط البحث إلا الحراك الذي من الممكن أن ترعاه بكركي، أي دعوة النواب المسيحيين إلى الإجتماع من أجل البحث عن المخرج المناسب، لكن المواقف التي صدرت، في الأيام الماضية، تؤكد أن مصيره لن يكون أفضل من الحراكين الآخرين، على إعتبار أن لكل فريق أهدافه الخاصة يريد الوصول إليها من مثل هذا اللقاء، تقوم على أساس تحقيق مصلحته في السباق الرئاسي، على قاعدة أن ليس المطلوب الإتفاق على أي رئيس فقط.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ الأجواء التي نتجت عن إجتماع باريس هي التعبير الأفضل عن واقع الحراكات الداخليّة، أيّ أنّ النقاش الجدّي في مصير الإستحقاق الرئاسي لم يبدأ بعد، وبالتالي ليس هناك، على الأقل حتى الآن، ما يستدعي تقديم الأفرقاء المعنيين في الداخل أي تنازلات من العيار الثقيل، خصوصاً أن صورة الصراعات على مستوى المنطقة لم تتضح بعد.