الكنيسة المارونية تأسست على راهب هو مارون الناسك، لم تتأسس على اسم مدينة ولا على اسم بطريرك، بل على اسم راهب سماه القديس ثاو دوريتوس القورشي مارون الإلهي في كتابه أصفياء الله.

الفكر اللاهوتي الذي عليه تأسست المارونية وكان رواده الموارنة، هو ثيولوجيا التجسد، الذي يقول إن الله تجسد وصار إنسانًا والإنسان تأله بنعمة الألوهة. وهذا اللقاء بين الثيولوجيا والانتربولوجيا شكّل عظمة الفكر اللاهوتي الكنسي في الكنيسة جمعاء وفي الكنيسة المارونية خاصةً، إذ أعطوا لبيئة لبنان ولأرضه وأرزه معنى ساميًا مقدسًا؛ حتى أن العذراء سميت: أرزة لبنان.

ولد القديس مارون حوالي سنة 350 ميلادية في قورش شمال سوريا، وحمل اسم مارون أو السيد، وقد ترافق في دراسته مع القديس يوحنا فم الذهب وكان صديقاً له، وله كل الاحترام والتقدير والمحبة عند صديقه يوحنا فم الذهب البطرك اللامع الكبير. واختار كل واحد منهما طريقًا خاصًا له.

سنة 398 اعتزل مارون الحياة العامة، وتنسك على جبل في العراء شمال غرب مدينة حلب قرب دير مار سمعان العمودي الشهير، القائم على تلة من تلك المنطقة. أما مارون فقد تنسك في العراء متحملًا حر الشمس في الصيف وصقيع وبرودة أيام الشتاء، يلتجئ أحياناً إلى خيمة صغيرة يحتمي فيها وقد أقامها من جلد الماعز.

وجهد في الصوم والصلاة والسجود والسهر والتأمل والغرق في حب الله. نظرًا لتقشفه وصومه وصلاته وكثرة أماتاته وتقواه، توافد إليه الناس من كل الأصقاع طلبًا لشفاعته للشفاء من أمراضهم وعذاباتهم، وكان يجترح العجائب والشفاء بالصلاة والبركة والدعاء.

وكان من تلاميذه القديس الراهب زابينا. في العام 410 توفى الله مارون، ونقل جثمانه إلى بلدة براد. سنة 452 شيد الامبراطور ديرًا في معرة النعمان تكريمًا لهذا القديس العظيم، فانتسب إليه الكثير من الرهبان.

المارونية نهج قائم على الزهد والنسك والتعري عن كل لذائذ الدنيا، والسير الدائم نحو المطلق الوحيد الأزلي في الجبال الوعرة أو الوديان العميقة تحت حر الشمس في الصيف أو صقيع الثلج في الشتاء البارد والصقيع القاسي. المارونية قائمة على لاهوت التجسد، فالله صار إنسانًا ليخلص الإنسان، والإنسان تألّه بنعمة من الله.

المارونية ارتباط بأرض لبنان وبالعقل والريادة والنهضة الحضارية والثقافية والفنية واللغوية والفولكورية. المارونية مسحة سماوية على أرض صخرية، جعلها الموارنة جنة خصبة خضراء، فأين هم هؤلاء الموارنة الجبابرة الذين نفتقدهم اليوم مع مجموعة من الفاسدين؟

يا مار مارون ارحمنا وخلص لبنان وأعده وطن الرسالة والحضارة والحرية والإنسان، واعط يا رب بشفاعة مار مارون الشفاء لكل مريض ومعذب، وارحم أنفس جميع أمواتنا، واعط لبنان رئيسًا ينقذه من هذه الأيام الصعبة والقاسية التي يغرق فيها. لا تخف أيها القطيع الصغير، لك مارون في السماء نصير وشفيع لدى الله قدير، فلا تخف أيها القطيع الصغير مجد لبنان أعطي له.