في الوقت الذي كان الجميع في لبنان يبحث في خلفيات عدم صدور بيان رسمي عن لقاء باريس الخماسي، الذي ضم ممثلين عن ​فرنسا​ وأميركا و​السعودية​ و​قطر​ و​مصر​، لم يكن التبرير الذي قدمته الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسيّة آن-كلير ليجندر حول ذلك مقنعاً، حيث تحدثت عن أن طابعا تقنيا كان لهذا الإجتماع، بالإضافة إلى أنه لم يكن مقرراً اتخاذ قرار فيه، و"لهذا لم يكن لدينا أي إعلان نصدره"، بالرغم من المعلومات عن إمكانية صدور بيان لاحقاً.

إنطلاقاً من ذلك، لا تزال العديد من الأوساط اللبنانية تبحث في الأسباب الفعلية لعدم صدور البيان، حيث تتراوح وجهات النظر بين وجود خلافات في المقاربة بين الأعضاء المشاركين، ومن يعتبر أن هذا الأمر من الممكن أن يكون إيجابيا في مسار البحث عن التسوية المنتظرة، على قاعدة أن الدول الأعضاء لم تذهب إلى أيّ موقف تصعيدي.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى مجموعة من النقاط التي ينبغي التوقف عندها، تبدأ من الحديث الفرنسي عن أن الموقف من الأوضاع في لبنان معروف، الأمر الذي ترى أنه تأكيد على أن اللقاء لم يخرج بأي جديد حول كيفية مقاربة الأزمة، لا سيما أن الجانبين السعودي والأميركي كانا مصران على عدم الدخول في التفاصيل، لا سيما لناحية الأسماء، وبالتالي رمي المسؤولية على كاهل القوى المحلية التي عليها أن تذهب إلى المبادرة، وهو ما أكّد عليه البيان الصادر عن البعثات الأوروبية العاملة في لبنان.

وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الجميع يدرك مسبقاً أن تلك القوى عاجزة عن إنتاج أيّ حل عملي لوحدها، ترى وجود نقطة إيجابية من الضروري التوقف عندها، تتمثل في المعلومات التي تسربت عن جولات سيقوم بها سفراء بعض الدول المشاركة في اللقاء: السعودي وليد البخاري، الفرنسية آن غريو، الأميركية دورثي شيا، على المسؤولين اللبنانيين، لوضعهم في أجواء ما تم بحثه، حيث تعتبر أن هذا الأمر قد يكون مؤشراً على أن هناك مساراً ما وضع على السكة.

إلى جانب الجولات المنتظرة، لا ينبغي تجاهل الدوري القطري، الذي من المرجح أن يتصاعد في المرحلة المقبلة، على أساس أنّ الدوحة قادرة على لعب دور مؤثر على هذا الصعيد، إنطلاقاً من قدرتها على التواصل مع مختلف الأفرقاء، سواء كانوا محليين أم خارجيين، وهي كانت في الفترة الماضية قد تولت نقل رسائل من بعض الدول الغربيّة إلى طهران.

بالنسبة إلى المصادر النيابية المتابعة، هناك معطيات تؤكّد الرغبة في إستعجال الذهاب إلى الإتفاق على إنتخاب رئيس للجمهورية، نظراً إلى أن لبنان سيكون في الفترة المقبلة على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات الهامّة، أبرزها إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي يدفع بعض الجهات الخارجية المؤثرة إلى رفض الربط بين الملفات العالقة، أي الإتفاق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وشكلها، على إعتبار أنّ ذلك سيعقد المسألة أكثر ويصعّب من إمكانيّة الوصول إلى إتفاق في وقت قريب.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى مجموعة من المؤشرات التي قد تكون مساعدة على هذا الصعيد، تبدأ من تقدم المباحثات السعودية مع حركة "أنصار الله" اليمنية، حيث تعطي الرياض هذا الملف الأولويّة القصوى، ولا تنتهي عند التداعيات الّتي من الممكن أن تتركها طريقة التعامل مع تداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا على سوريا، التي لا تنفصل عن رغبة بعض الجهات بالإنفتاح على دمشق.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ نتائج الجولات أو التحركات التي سيقوم بها السفراء ستكون العنوان الأهم في الفترة المقبلة، نظراً إلى أنه على ضوئها من الممكن أن يتحدد مصير الأزمة اللبنانية، حيث ترى أن جميع الخيارات ستكون مفتوحة، من الذهاب إلى التسوية عبر ترغيب الجهات الداخليّة المعنيّة بذلك، أو التصعيد الذي سيأتي في حال لم يكن هناك رغبة في التجاوب مع هذا المسار، مع تشديدها أن الأمور لن تكون مفصولة عما يجري في المحيط.