تعاطفت دول عدّة مع المنكوبين جرّاء الزلزال في تركيا وسوريا. وقدّمت الدول العربية والإقليمية مساعدات ضمن إمكانياتها. فلم تقصّر الجزائر التي هبّت اولاً وقدمت مساعدات وعشرات ملايين الدولارات، ولم يبخل العراق في مدّ السوريين بقوافل النفط، واظهرت القيادات في مصر وسلطنة عمان والاردن وتونس تعاطياً مسؤولاً قومياً وانسانياً، وارسلت المملكة العربية السعودية طائرات دعم للمنكوبين، وكذلك فعلت ايران وروسيا، وعدد من الدول ابرزهم ايطاليا اوروبياً التي باشرت في ارسال المساعدات الطبية الى سوريا ايضاً عبر لبنان.

واذا كان لبنان معنيّاً بدعم السوريين لعدة اعتبارات جغرافية وتاريخية وشعبية، وهو لم يقصّر في الدعم المفتوح، وان كانت بعض مكوناته تعاملت بخجل او حذر مع كارثة سوريا، بسبب التموضعات السياسية، لكن اللافت كان حجم التعاطي الانساني لدولة الامارات العربية المتحدة مع كارثة الزلزال في تركيا و سوريا.

اظهر الاماراتيون انسانية كبيرة:

أولاً: إقامة جسرين جوّيين، بين الامارات وسوريا، وبين الامارات وتركيا. ولم تهدأ طائراتهم في نقل المساعدات منذ الساعات الاولى لوقوع الزلزال، وعلى مدار الايام الماضية، وبلغت حتى ليل الخميس اثنين وعشرين طائرة.

ثانياً: عدم اقتصار الدعم على الحكومة المركزية، ولا على امارتي ابو ظبي ودبي، بل جرى اشراك الشعب والمقيمين في الدولة بالاستنفار الانساني لتقديم الدعم. يروي السوريون المقيمون في الامارات عن حجم النشاط والدعم الاماراتي اللامحدود.

ثالثاً: تخصيص ساعات بث يومية مفتوحة للاعلام الاماراتي المرئي والمسموع لحث الناس على التبرع وتقديم المساعدات على قدر الامكانات.

رابعاً: عدم تقاضي شركات الاتصالات الاماراتية بدلات مالية عن الاتصالات الجارية بين الامارات وسوريا وتركيا، من اجل إطمئنان المقيمين السوريين والاتراك في الامارات على ذويهم لحظة بلحظة، وبقيت الخطوط الهاتفية ساخنة على مدار ساعات الايام الماضية.

خامساً: قيام الهلال الاحمر الاماراتي، بقرار من القيادة، بجمع المساعدات لإرسالها الى منكوبي تركيا وسوريا.

سادساً: تخصيص مبالغ مالية ضخمة عشرات ملايين الدولارات للسوريين والاتراك.

امام هذا التحرك الانساني، الذي لم يشهد له مثيلاً لا حالياً ولا سابقاً، تستحق دولة الامارات العربية المتحدة الشكر والتقدير على كل خطواتها الراقية التي تميّزت فيها عن باقي شعوب ودول العالم.

ومن هنا حضر السؤال: لماذا لا تحذو الدول المقتدرة حذو الامارات؟.

لا احد يستطيع اجبار العواصم على القيام بأي خطوات مشابهة، لكن بالتأكيد ستحفظ الشعوب، خصوصاً المنكوبة، للاماراتيين ادوارهم الانسانية العظيمة.

وضعت الامارات كل الاعتبارات السياسية جانباً، ورفعت شعار الانسانية فوق كل اعتبار. علماً ان الدولة المذكورة تمضي بتوازن سياسي على مساحة العالم: سبق وان حملت مبادرة تسووية لوقف الحرب بين روسيا و اوكرانيا، وهي لم تقطع علاقاتها بأي دولة في الاقليم. ابقت خطوط التواصل مع الايرانيين مفتوحة. اقترحت تنظيم حوارات بين المتخاصمين دولياً. وازنت بين المحاور، ولم تنغمس في حروبها.

فماذا عن الباقين؟

سيدفن الاتراك والسوريون ضحاياهم بصمت. سيعم حزن الأقربين على المفقودين. ستباشر الدول اعادة اعمار ما تهدّم. بالنهاية، ستستمر الحياة.

ستتذكر الشعوب المنكوبة آلام وتداعيات الزلزال، لتروي للأجيال الذكريات عمن واكبها انسانياً ودعمها وآزرها في ايام النكبة. ستتذكر الشعوب من كان بمقدوره ان يساعد، ولم يفعل. ومن وضع حساباته السياسية الآنية فوق الواقع الانساني. ستتذكر من تمنّع، ومن اكتفى بالمراقبة عن بعد، ومن أدار ظهره، ومن هرب، ومن تآمر على الانسانية.

يتذكّر المرء مأساته، لأن الأسى لا يُنسى. وكذلك فعل الخير لا يُطمس، سيحضر بجسوره وامداداته وعطاءاته حكايات فخر على مر الأجيال.