هو تاريخ يُكرر نفسه في لبنان، بصورة سلبية، فبعد أن أصبح الفراغ الرئاسي "عادة"، و"عادي"، تعود الى الواجهة فكرة التشريع بظل الفراغ، وامتناع القوى المسيحيّة بشكل خاص وقوى 14 آذار بشكل عام عن حضور أيّ جلسات تشريعيّة للمجلس النيابي قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهي نفس الفكرة التي شغلت الرأي العام في الفراغ الرئاسي الذي تلى ولاية ميشال سليمان.

46 نائباً وقّعوا على بيان المقاطعة، هم ببساطة بحسب مصادر نيابيّة مقرّبة من الثنائي الشيعي "قوى 14 آذار الجديدة"، يُضاف إليها "التيارالوطني الحر" الذي لطالما تعرض "للإبتزاز" بالشارع المسيحي، وهو ما يدفعه للمزايدة في كثير من الأحيان.

اللافت بحسب المصادر هو "أن مطالبي انتخاب الرئيس يريدون تعطيل عمل المجلس، كما أن التيار وهو من معطّلي جلسات انتخاب الرئيس الحالي، والسابق أيضاً، يرفض التشريع قبل انتخاب الرئيس"، مشيرة عبر "النشرة" الى أن هذه المعادلة تُظهر كيف يتم التلاعب بالدستور والقوانين والأعراف بحسب الأهواء السياسية.

في هذا السياق، لدى بعض الأوساط السياسية قناعة بأن هذا الموقف بالتعطيل سينعكس على القوى المسيحيّة التي كانت قد ألمحت إلى إمكانيّة مقاطعتها جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، في حال نجح الفريق الآخر في تأمين الأكثرية المطلوبة لإنتخاب مرشّحه، بعد أن كانت قد برزت معلومات عن أنّ رئيس المجلس ​نبيه بري​ يجري حساباته لتأمين 65 صوتاً لصالح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية.

وتشير هذه الأوساط عبر "النشرة" إلى أن هذه القوى، أي حزب "القوات اللبنانية"، "​التيار الوطني الحر​"، "حزب الكتائب"، مروراً بالنواب المستقلّين والمعارضين و"الثورجيين"، ينطلقون في قرار مقاطعة الجلسة التشريعيّة من معادلة أساسية تقول: "أن وظيفة المجلس الحالية هي إنتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي من المفترض أن يكونوا أول المبادرين إلى حضور أيّ جلسة، بغضّ النظر عن أيّ نتيجة من الممكن أن تفرزها جلسة الإنتخاب، وإلا تكون قد تحوّلت إلى صفوف من تتّهمهم بـ"العرقلة" وتُظهر بشكل واضح لا لبس فيه ازدواجيتها بالتعاطي مع الملفّات الأساسيّة، نظراً إلى أنّها ستكون في هذه الحالة تعرقل عمل المجلس النيابي على كافة المستويات: الإنتخابيّة بما يخصّ الرئيس والتشريع، الأمر الذي سيضعها أمام معضلة حقيقية على المستوى الشعبي.

وتلفت الأوساط نفسها إلى أنّ هذا الواقع يعني أن رئيس المجلس، بشكل غير مباشر، يكون قد نجح في إزالة أحد أهم الأسباب التي تحول دون إنتخاب المرشّح الضمني لقوى الثامن من آذار، ليبقى أمام هذه القوى العمل فقط على تأمين أغلبية 65 صوتاً لصالح مرشّحها، الأمر الذي من الممكن أن تنجح فيه، في حال قرّرت الإنتقال إلى مرحلة المواجهة على هذا الصعيد، أيّ عدم إنتظار الوصول إلى تسوية، خصوصاً أنّ هذه القوى نفسها عاجزة عن الوصول إلى إتفاق فيما بينها يقودها إلى تأمين الأغلبيّة اللازمة لصالح مرشّح من الممكن أن تتوافق عليه، وصعوبة توافق الفريق الآخر أيضاً على مرشح، وصعوبة توافق المسيحيين على مرشح بدليل مصير الحراك الذي كانت تنوي البطريريكة المارونية القيام به.