بعد أيام من الغموض الذي رافق لقاء باريس الخماسي، الذي ضم ممثلين عن فرنسا والسعودية وأميركا وقطر ومصر، خصوصاً في ظل عدم صدور بيان رسمي حول هذا اللقاء، كشفت الجولة التي قام بها ممثلو تلك الدول في لبنان، على بعض المسؤولين، بأنه أعاد رمي الكرة في ملعب الأفرقاء المحليين، على قاعدة دعوتهم مجلس النواب للاجتماع بشكل عاجل، وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة ذات صلاحيّات من دون تأخير.

ما ينبغي التوقف عنده هو ما ورد في البيان الصادر عن مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعد اللقاء الذي جمعه مع هؤلاء الممثلين، بالنظر إلى اللغط الذي رافق ما تضمنه بالنسبة إلى الحديث عن أن السفراء شددوا على أن "عدم انتخاب رئيس جديد سيرتب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان"، الأمر الذي عاد المكتب الإعلامي لميقاتي إلى توضيحه، عبر الإشارة إلى أن ما قصده السفراء هو أن "الذين يعرقلون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيّات سوف يواجهون تداعيات سلبية".

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما تقدم لا ينبغي أن ينفصل عن المراوحة القائمة على الصعيد المحلي، حيث يدرك الجميع أن القوى اللبنانية عاجزة عن الوصول إلى أيّ تسوية وحدها، لا بل هي كانت تراهن على ما قد يأتي من الخارج، وبالتالي إعادة رمي الكرة في ملعبها لا تعني إلا إستمرار الواقع على ما هو عليه لفترة أطول.

على الرغم من ذلك، تتوقف هذه المصادر عند ما تضمنه البيان الصادر عن مكتب ميقاتي، لناحية الإشارة إلى أنّ المعرقلين سيواجهون تداعيات سلبية، حيث تسأل عما إذا كان ذلك يمثل تهديداً بالعودة إلى سلاح العقوبات، وترى أنّ هذا الأمر قد لا يكون مفيداً في تسريع الوصول إلى تسوية، بل على العكس قد يدفع المعنيين في الداخل إلى التشدّد أكثر، لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التلويح بهذه الورقة.

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده، في الأيام المقبلة، هو كيفية تعامل الأفرقاء اللبنانيين مع هذه الرسالة، خصوصاً في ظلّ المعلومات عن أن بعض السفراء قد يقومون بجولة جديدة من اللقاءات على بعض القوى السياسية، قبل إرسال تقارير جديدة إلى عواصم بلادهم، وهنا قد يكون المقصود موقف "حزب الله"، الذي كان قد أصدر أكثر من موقف يؤكد على رفضه سياسة الفرض من الخارج.

في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن في الداخل اللبناني هناك من يعتبر أن الأمور باتت بحاجة إلى ما يمكن وصفه بـ"الصدمة"، التي قد تدفع الأفرقاء المحليين إلى تقديم تنازلات أو تقود الجهات الخارجية المؤثرة إلى زيادة مستوى تدخلها في الأزمة، نظراً إلى أن المعطيات الحالية لا تسمح بالذهاب إلى تسوية، الأمر الذي من المفترض أن يتظهّر بشكل أكبر في المرحلة المقبلة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، لا ينبغي تجاهل الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء عن هذه "الصدمة"، خصوصاً أنه يتزامن مع الإضرابات المعلنة في مجموعة واسعة من القطاعات الرسمية، بالإضافة إلى ذلك القائم على مستوى المصارف، في حين يبدو أن حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن القيام بأيّ معالجة عمليّة، بينما إنتقل التعطيل، بسبب الخلافات السياسية، إلى المجلس النيابي، العاجز عن إنتخاب رئيس جديد أو عن التشريع.

في المحصّلة، لدى المصادر نفسها أنّ "الصدمة" المقصودة، في حال كانت مطلوبة، لن تكون أمنيّة، على إعتبار أن هذا الأمر من الخطوط الحمراء، لكن على ما يبدو ليس هناك ما يمنع أن تكون على الصعيد الإقتصادي أو الإجتماعي، حيث تشير إلى أنّ حراك السفراء يؤكّد أن هناك رغبة في إستعجال الوصول إلى حلول، لكن هذه الحلول، على الأقل حتى الآن، غير مطلوبة كيف ما كان.