بعد أن علقت الكثير من الجهات السياسية الآمال على ما قد ينتج عن لقاء باريس الخماسي، الذي بدأ الحديث عنه منذ ما قبل بداية العام الحالي، جاءت النتائج مخيبة للتوقعات، الأمر الذي دفع بعض الأفرقاء إلى رسم علامات الإستفهام حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، خصوصاً أن هذا الأمر جاء على وقع تزايد مظاهر الفوضى، الذي كان الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء هو التعبير الأصدق عنه، بالتزامن مع عودة التحركات إلى الشارع من جديد.

في الصورة العامة، هناك شبه توافق على أن الفوضى الشاملة ممنوعة بقرار دولي، حيث هناك مصلحة لدى العديد من الجهات الخارجية المؤثرة في منع الوصول إلى هذه المرحلة، لكن في المقابل هناك من يرى أن زيادة الضغوط، في الفترة المقبلة، قد يكون أمراً مطلوباً، ربطاً بما يطرح عن إستعجال الوصول إلى تسوية وفق شروط محددة، وهي باتت مطلوبة في فترة لا تتجاوز الشهرين.

إنطلاقاً من ذلك، ترسم مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أكثر من سيناريو حول ما يحصل في الوقت الراهن، حيث تشير إلى أن ما نتج عن لقاء باريس من الممكن أن يصبّ في إطار دفع الأفرقاء اللبنانيين، تحديداً "حزب الله"، إلى التفكير في التنازلات التي من الممكن أن يذهبوا إليها، على قاعدة أن الكرة في ملعبهم في حال أرادوا أن يخرجوا من الواقع الذي تمر فيه البلاد، تحت طائلة رفع مستوى الضغوط بشكل أكبر في حال قرروا عدم التعاون، وهو ما كان ألمح إليه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله في خطابه يوم أمس.

في هذا الإطار، تشير المصادر نفسها إلى أن السيد نصرالله تعمد رفع السقف عالياً، في تأكيد على مستوى الضغوط المتوقعة، عندما ذهب إلى تحذير الولايات المتحدة من أنّ دفع لبنان إلى الفوضى لا يعني أن الحزب سيبقى متفرجاً، قائلاً: "سنمدّ يدنا إلى من يؤلمكم حتى لو أدّى ذلك إلى خيار الحرب مع حبيبتكم إسرائيل"، في تذكير بما كان قد ذهب إليه في الفترة التي رافقت مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة مع تلّ أبيب، قبل الوصول إلى التسوية في نهاية المطاف.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يمكن التأكيد عليه هو أنّ كل ما يحصل يأتي في إطار لعبة "عض الأصابع"، على إعتبار أنّ الجميع بات يشعر بالحاجة إلى تسوية سريعة، لكنّ المؤشرات الحالية تصب في إطار أن تكون تسوية مرحلية فقط، أيّ أن يكون عنوانها الأساسي الإتفاق على إسم الرئيس المقبل، إلا إذا تدحرجت الأمور على نطاق أوسع وبشكل سريع، لكنّ الأكيد أنّ المقبل من الأيام لن يكون سهلا على الإطلاق، لا بل من الممكن الحديث أن الجميع قد يذهب للبحث عن أي وسيلة يعزز فيها أوراق قوّته التفاوضية.

في المحصّلة، يمكن الحديث أنّ البلاد دخلت مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي عدم القدرة على الاستمرار في حالة المراوحة طويلاً، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، لكن حتى الآن لا تزال جميع القوى المؤثّرة تبحث عن كيفية تحسين شروطها قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، الأمر الذي لا ينفصل عمّا يجري على مستوى المنطقة من تطورات.