في الأيام الماضية، عاد الحديث في بعض الأوساط السياسية عن إمكانية الذهاب إلى تسوية في وقت قريب، على قاعدة أن التصعيد الذي كانت قد شهدته البلاد، في الأسابيع الماضية، كان من باب السعي إلى رفع سقف الشروط قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، التي باتت بين حدّي الحاجة إليها من قبل كافة الأفرقاء وهامش الوقت الذي يضيق، خصوصاً أن لبنان سيكون قريباً على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات التي تحتاج، من أجل التصدي لها، إلى وجود رئيس جديد وحكومة فاعلة.

وطالما أنّ الأفق الداخلي لمسار التسوية مقفل بشكل كامل، فإنّ العنوان الأساسي لما يُطرح هو خارجي بالدرجة الأولى، على قاعدة أنّ هناك ما يمكن البناء عليه في مداولات لقاء باريس الخماسي، الذي أكد، بغضّ النظر عن النتائج، أن الملف اللبناني غير مهمل، بالرغم من إنشغال المشاركين فيه بملفات أكثر أهمية بالنسبة لهم، بينما على المستوى المحلي سلم الجميع بأن المطلوب الإنتظار فقط لا غير، بسبب عدم قدرة أي من الأطراف على تحسين أوراق قوتها.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى عودة الحديث عن معادلة رئيس جمهورية قريب من قوى الثامن من آذار مقابل رئيس حكومة مقرب من المملكة العربية السعوديّة، حيث طُرحت في هذا المجال نظرية رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​ في قصر بعبدا، مقابل السفير اللبناني السابق ​نواف سلام​ في السراي الحكومي، على أساس أنها قادرة على إرضاء كافة اللاعبين الفاعلين في الساحة اللبنانية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذه المعادلة قد تكون، من الناحية النظرية، واقعية إلى حدّ بعيد، خصوصاً أنها تعكس التوازنات في البلاد، وربما تذكر بما كان يطرح عادة في زمن الأزمات، أي "لا غالب ولا مغلوب"، لكنها تلفت إلى أنّها من الناحية العمليّة لا تزال بعيدة عن الواقع، نظراً إلى أنّ مقوّمات نجاحها لا تزال، على الأقلّ حتى الآن، غير متوفّرة، على إعتبار أنها، قبل أيّ شيء آخر، تتطلّب دخول بعض الجهات الفاعلة في لعبة الأسماء، بينما هي لا تزال ترفض هذا الأمر بشكل مطلق.

على هذا الصعيد، الدخول في أيّ تسوية من هذا النوع يعني أنها ستكون شاملة، أي تقوم على أساس برنامج عمل واضح المعالم من المفترض أن يعمل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين على تطبيقه، بالإضافة إلى توفر مقومات النجاح لهذا البرنامج، لا سيما على مستوى المظلة الإقليمية والدولية للمشرفين عليه، على إعتبار أن ليس المطلوب فقط ملء المراكز الدستورية بأشخاص، من الممكن أن تقود الظروف إلى منعهم من القيام بما يمكن الركون إليه.

في هذا السياق، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ المطلوب مما يُطرح، من الناحية العمليّة، هو إستدراج السعوديّة، التي بات من المؤكد أنّها ستكون شريكاً فاعلاً في أيّ تسوية مقبلة، إلى لعبة الأسماء، التي لا تزال ترفض الغوص فيها، منتظرة ما يمكن أن يقدّم لها الآخرون، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الخارجي، من خلال توسيع دائرة البحث لتشمل إسم رئيس الحكومة المقبلة، لكنها تؤكد أن الرياض ليست في هذا الوارد، نظراً إلى أن لهذا الأمر مجموعة من العناوين الرئيسية لم تصل إلى مرحلة الإلتزام بها.

في المحصّلة، تذكر هذه المصادر بأن وزير الخارجية السعوديّة فيصل بن فرحان كان أول من طرح مثل هذه المعادلة، عندما تحدّث في شهر كانون الأول الماضي عن أن لبنان في طور اختيار رئاستين، أي ​رئاسة الجمهورية​ و​رئاسة الحكومة​، لكنها تلفت إلى أنّ الظروف لا تزال غير متوفرة، وبالتالي الأمور لا تزال تتطلّب بعض الوقت، وهي مرتبطة بما يحصل على مستوى ملفات إقليمية أخرى.