ذكرت صحيفة "الأخبار"، أنّ "الوفد القضائي الأوروبي الذي يضم قضاة تحقيق من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، يعود إلى بيروت منتصف الشهر المقبل، لاستكمال التحقيقات التي بدأها قبل شهر، في ملف تورط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عمليات اختلاس وتبييض أموال".

وأوضحت أنّ "عودة القضاة الأوروبيين تأتي في ظل معطيات جديدة، أبرزها ادعاء المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش على سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، وكل من يظهره التحقيق بجرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي وتزوير وإثراء غير مشروع، وإحالة الادعاء إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا، لاستجواب المدعى عليهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم".

وأشارت الصّحيفة إلى أنّ "هذه التطورات قد تنعكس سلباً على مسار التحقيقات الأوروبية. ففين حين تمكن القضاة الألمان والفرنسيون من استجواب بعض المشتبه فيهم في قصر العدل خلال زيارتهم السابقة، سيكون عليهم الخضوع هذه المرة لقرار القاضي أبو سمرا. وثمة تخوف هنا من أن يرفض الأخير طلباتهم أو يطلب إرجاء زيارتهم، بحجة عدم إنهائه دراسة الملف، وتحت عنوان الحرص على المصلحة الوطنية".

وبيّنت أنّ "هذا الإجراء، إذا ما حصل، سيحول دون قدرة القاضية الفرنسية أود بوروزي على الادعاء على سلامة، لأن القانون الفرنسي يحتّم عليها استجوابه قبل اتخاذ أي قرار بحقه أو وضعه "Mise en Examen". والأمر نفسه بالنسبة إلى لوكسمبورغ. فيما يمكن للقضاة الألمان وحدهم الادعاء على الحاكم من دون استجوابه، وبالتالي المبادرة قبل الفرنسيين إلى حجز أمواله المشتبه بتبييضها".

وكشفت معلومات "الأخبار"، أنّ "اللائحة التي أعدّتها القاضية بوروزي للاستجواب، تشمل عزمي ميقاتي نجل طه ميقاتي شقيق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في ما خص تحويلات مالية مشتركة بين عائلة ميقاتي ورياض سلامة، في حين يردد لبنانيون على تواصل مع مسؤولين فرنسيين، أن باريس لم تعد تريد التعاون مع ميقاتي، ربطاً بملفات مختلفة بينها الفيتو السعودي على عودته إلى رئاسة الحكومة".

كما شدّدت الصّحيفة على أنّ "التحقيقات الأوروبية لم تعد تتمحور حول سلامة وشقيقه رجا فقط، بل تتسارع الإجراءات في الخارج، وفي سويسرا على وجه الخصوص، استكمالاً لتحقيقات تتعلق بملف مفتوح لدى النيابة العامة الاتحادية في جنيف منذ عام 2020، في قضايا تبييض أموال واختلاس أبطالها الأخوان سلامة وماريان الحويك ومصارف سويسرية وأخرى لبنانية".

وأفادت بأنّ "ثمة تطورا لافتا في هذا الإطار، يكمن في اتخاذ الهيئة التنظيمية المالية في سويسرا (FINMA) إجراءات قضائية ضد مصرفين لبنانيين، هما بنك عودة وبنك ميد، بعد تحقيقات تقوم بها الهيئة بناء على شكوى قدّمتها العام الماضي مجموعات لبنانية وسويسرية، تطالب التحقيق في أنشطة مصارف سويسرية لها علاقة بسلامة".

سلامة سيرحل... سياساته ستبقى

لفتت "الأخبار" إلى أنّ "قبل انطلاق الاحتجاجات في بيروت وبعدها، مروراً بأعمال التدقيق الجنائي، وصولاً إلى انطلاق التحقيقات اللبنانية والأجنبية في ملفه، بقي السؤال هو نفسه: هل يُقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن يخلفه؟".

وركّزت على أنّ "عملياً، يعرف اللبنانيون أن سلامة ليس سوى رأس جبل الجليد في ملف المحاسبة العامة. لعب الرجل دوراً مركزياً في إدارة ال​سياسة​ النقدية وتوسع نحو السياسات المالية والاقتصادية، وسيطر على عمل القطاع المصرفي من جهة، وإدارات كبيرة في الدولة وفي القطاع الخاص، وكان له دوره البارز في كبت الأصوات المعترضة من خلال إدارته عمليات تمويل مشتبه فيها لغالبية وسائل الإعلام في لبنان".

وأكّدت الصّحيفة أنّ "الحاكم ما كان ليقدر على هذا كله، من دون شركاء حقيقيين. وهؤلاء ليسوا فقط من يشتبه القضاء اللبناني والأجنبي بتورطهم في عمليات الاختلاس وتبييض الأموال، بل هم أركان الحكم الذين لم يقتربوا من منصب سلامة طوال ثلاثة عقود".

وذكرت أنّ "في الوقت نفسه، لم يكن سلامة يحظى بدعم هؤلاء فقط، ولم يكونوا من يخشاهم كل الوقت، بل كان يحظى بغطاء من الولايات المتحدة ودول عربية وغربية ومصارف ومستثمرين من العالم العربي، وربطته علاقات قوية بكبريات الشركات المالية العالمية، وكان مصدراً للرزق لكثيرين في العالم، سواء من خلال عمليات بيع السندات، أو من خلال تعاملاته الشخصية التي تتكشّف الآن في التحقيقات التي تجرى في الخارج. ولسلامة صداقات واسعة في كل الأندية الاقتصادية والمالية والديبلوماسية من خارج لبنان... لذلك كله، لم يكن من المبالغ فيه وصفه بالحاكم بأمره".

كما اعتبرت أنّ "عملياً، يعرف اللبنانيون أن غالبية وازنة من القيادات على اختلاف مناصبها كانت متورطة مع سلامة، بشكل أو بآخر، حتى أن الرجل يعرف غالبية الأسرار المالية لهؤلاء، ولآخرين من خصومه أيضاً. وهو، بحكم موقعه ودوره ونفوذه، قادر على الأقل على ابتزاز جسم كبير ممن مروا على الخدمة العامة في لبنان، ومن المرجعيات الدينية والأهلية وغير الحكومية. وحتى في لحظتنا الراهنة، فإن الحديث عن اختيار بديل لسلامة، أمر معقد، ليس بسبب عدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات فحسب، بل لأن القوى السياسية على المسرح اليوم غير قادرة على الوصول إلى توافق حقيقي وسريع على بديل عنه، فكيف والخارج يريد أن يكون له دوره في هذا الملف".

وأشارت "الأخبار" إلى أنّ "اليوم، لا يبدو أن سلامة يفكر بالتنحي. على الأقل هذا ما ينقل عنه، كما لا يبدو أن في عقل أهل الحكم أي نية للبحث في مخرج لإقالته أو تنحيته أو إقناعه بالتنحي. ولأن الأمر على هذه الصورة، يصبح السؤال حول أهلية وصدقية من يتولى مهمة تعيين البديل. ومع ذلك، فقد أعلن سلامة أنه سيترك منصبه عند انتهاء ولايته في تموز المقبل، ويتردد أن البحث جار له عن فيلا في دبي".

إلى ذلك، كشفت أنّ "في مجالسه الضيقة، يشير سلامة إلى أنه يدرس التوجه إلى أوروبا. ويقول إنه يعد العدة إدارياً لترك منصبه والسفر قبل أيام من انتهاء ولايته. وهو مقتنع بأن الاتهامات الموجهة إليه باطلة، وستثبت براءته، حتى لو أدين شقيقه رجا بالجرم المنسوب إليه".

وبيّنت أنّه "أبلغ من يتواصلون معه، أنه قرر اعتماد سياسة جديدة، من الآن حتى انتهاء ولايته، تقضي من جهة بعدم الاستجابة بعد الآن لأي طلب من المصارف في لبنان، بل سيمارس ضغطاً عليها لتزويده بكميات إضافية من الدولارات الطازجة، وأنه من جهة أخرى، سيقاوم كل الضغوط من الحكومة لتفادي أي إنفاق إضافي من الاحتياطي بالدولار، وأن لديه خطة لأن يكون حجم الاحتياط عند مغادرته نحو عشرة مليارات دولار، سيجمعها في الأشهر المقبلة، سواء من السوق السوداء، أو من خلال إلزام المصارف بتوفير مزيد من السيولة لتغطية عجوزاتها".

وتابعت الصّحيفة أنّ "عند انتهاء ولايته، سيقول سلامة: لقد أدرت الأزمة بكل مفاصلها بصعوبة كبيرة، وأنفقنا الكثير لعدم حصول انهيار شامل، ومع ذلك، فها أنا أترك لكم مليارات كثيرة في المصرف المركزي، وأترك لكم ذهباً لم ألمسه طوال فترة الأزمة. ويضيف: فعلت ذلك من خلال سياسات وتعاميم لا أعلم إن كان هناك من هو قادر على تغييرها بعدي، وأي أدوات سيلجأ إليها خليفتي لمعالجة الأزمة لاحقاً؟". ونوّهت إلى أنّه "يبدو أن سلامة يريدنا، ومعه من يقودون هذه البلاد، أن نبقى أسرى سياساتهم لأجيال كثيرة مقبلة!".

اليرزة vs اليرزة: التوتر يتصاعد

أفادت "الأخبار" بأنّ "العلاقة بين وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، لم تشهد مثله علاقة الأخير بالوزراء الثلاثة الذين تعاقبوا على الدفاع منذ تعيينه في منصبه، والذين اصطدم بهم جميعاً".

وعلمت أن "وزير الدفاع قرّر عدم استقبال البريد الوارد من قيادة الجيش أو المفتشية العامة التابعة له، بوصفها "غير قانونية"، حتى إشعار آخر، ما يعني عملياً تعليق العلاقة بين المؤسّسة الأمنية الأم والوزارة الوصية عليها، ووقف المراسلات من داخل المؤسسة إلى خارجها وبالعكس، إلى الوزارات والمؤسسات التي تُضطر عادة قيادة الجيش إلى مخاطبتها عبر وزارة الدفاع".

وأوضحت أنّ "سليم استثنى من القرار البريد الصادر عن المديرية العامة للإدارة، التي عُيّن العميد منير شحادة أخيراً على رأسها، أي كل ما يتعلق بالمتطلبات والاحتياجات اليومية للعسكر من طبابة وغذاء ونقل وتفاصيل لوجستية أخرى"، مفسّرةً أنّ "خطوة سليم تأتي رداً على "تعطيل الدائرة القانونية في الغرفة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، من خلال إصدار مذكرة تشكيلات قضت بفصل رئيس دائرة الشؤون القانونية العقيد الياس أبو رجيلي وأمين السرّ العميد كارول تامر، من دون التشاور مع وزير الدفاع"، وفق مصادر قريبة من سليم، إضافة إلى "الإمعان من جانب قيادة الجيش في إهانة زوار الوزير، عبر منعهم من ركن سياراتهم في باحة وزارة الدفاع، وإجبارهم على تركها عند البوابة الخارجية والتوجه إلى المبنى حيث يقع مكتب الوزير سيراً على الأقدام، والتدخل في شؤون الوزارة وتجاهلها".

وفي سياق التوتر أيضاً، كشفت معلومات الصحيفة أن "عون يبحث في إصدار مُذكّرة إدارية داخلية، تقضي باعتبار بطاقات "تسهيل المرور" الصادرة عن مديرية المخابرات في الجيش، بمثابة رُخص حيازة سلاح فردي، رداً على قرار وزير الدفاع عدم توقيع (أو إصدار) رخص حيازة السلاح المرفوعة من جانب "مكتب القائد" حصراً، علماً أنه "قنّنَ" إصدار الرخص إلى الحدود الدنيا، ما انعكس سلباً على الطلبات التي تُرفع عادةً من ضباط لمصلحة مواطنين أو عسكريين متقاعدين أو مخبرين يعملون لمصلحة الأجهزة، أو تلك التي تعود لقضاة ومسؤولين سياسيين ونواب وجهات حزبية، ما يُعده أمنيون "عرقلة لهم".