أكّدت صحيفة "الجمهوريّة"، أنّه "لم يعد خافيًا انّ العلاقة المترنحة بقوة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، تقيم حالياً على "فالق بعبدا" المتحرك، الذي يعكس انقساماً حاداً في مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية، ويولّد هزات سياسية متفاوتة الدرجات، تارة في الملف الحكومي وطوراً في الملف التشريعي".

وأشارت إلى أنّه "لئن كان "حزب الله" يستغرب ان يستسهل "التيار الحر" التفريط بآخر حلفائه، بحيث يكاد لا يبقى له صاحب، يستشهد رئيس التيار النائب جبران باسيل، في معرض تعليقه على الأمر، بقول الإمام علي بن أبي طالب: "يا أيها الحق لم تترك لي صاحباً"، مبيّنةً أنّ "وفق المحيطين بباسيل، فهو يلاحظ انّ هناك نوعاً من الحساسية المفرطة في التعاطي مع مواقفه، التي يدعو إلى وضعها في سياقها السياسي الطبيعي، بعيداً من التحسس الزائد".

ولفت المطلعون على موقف باسيل، عبر "الجمهورية"، إلى "اقتناعه بأنّه وكما يحصل احياناً ان يختلف مع البطريرك الماروني حول شأن سياسي، على قاعدة حق كل منهما في أن تكون له مقاربته المتمايزة في بعض الأوقات، فإنّ المعيار نفسه ينطبق، في رأيه، على العلاقة مع حزب الله، "إذ من الطبيعي ان نناقش احياناً في ال​سياسة​ فكرة تصدر عن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، من دون أن يكون لذلك اي علاقة بمبدأ الاحترام المتبادل والثابت".

وتبعاً للقريبين من باسيل، فهو يعتبر أن "ليس المطلوب من "حزب الله" أن يواجه الفاسدين والمرتكبين بالسلاح والقوة، بل فقط بالموقف القاطع وبالمشروع السياسي الحازم". وأوضحوا أنّ "ما قصده باسيل في كلامه الاخير، هو انّ مواجهة الأدوات التي تساهم في زرع الفوضى، كحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تبقى أسهل وأقل كلفة من خيارات أخرى، لأنّه في مثل هذه الحالة تحتاج فقط إلى استخدام الكلمة وليس الصاروخ".

وركّز العارفون على أنّ "باسيل يفترض انّ التصدّي لمحاولات إغراق لبنان في الفوضى والانهيار، يتطلب من الحزب والآخرين الانخراط الجدّي في مشروع الإصلاح، الذي تظلّ فاتورته اقل من فاتورة ترك الأدوات تعبث في الداخل"، مفيدين بأنّ "باسيل يتفهم خصوصية الواقع الشيعي وحرص الحزب على مراعاته، إلّا انّ ما لا يستطيع تفهمّه ان تشمل معادلة المراعاة أيضاً الرئيس نجيب ميقاتي ورياض سلامة".

ونقلوا عن باسيل تأكيده أنّ "مصير "تفاهم مار مخايل" هو في يد "حزب الله" الذي بمقدوره ان ينهيه او ينقذه، تبعاً لنمط تصرفه، معتبراً انّ المشكلة الحالية تزول بمجرد ان يعود الحزب كما كان، "وإن عدتم اليه (جوهر التفاهم) عدنا". وأشاروا إلى أنّ "باسيل ينفي أن يكون التحالف مع الحزب قد أصبح عبئاً عليه، وانّه يجد الفرصة سانحة الآن للتخلص منه، "ولو انّ الامر على هذا النحو لكان الأفضل لي أن انسحب قبل إدراجي على لائحة العقوبات الأميركية، إذ كنا على الاقل قد قبضنا حق الانسحاب وتفادينا العقوبات، ولكننا لا نتعامل مع الخيارات الوطنية وفق قاعدة البيع والشراء، وانا فضّلت ان أدفع ثمن قناعتي بدل ان اقبض ثمنها"؛ حسب ما ينقل عنه اللصيقون به.

كما نقلوا عن باسيل تحذيره من أنّ "الإصرار على دعم رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية، مؤداه العودة إلى حقبة التسعينيات بمعادلاتها التي أوصلتنا إلى هنا". وكشف باسيل، بحسب العارفين، أنّ في جعبته "أكثر من اسم لا يوجع رأس الحزب، ويستطيع في الوقت نفسه ان يخفف اوجاع البلد"، الّا انّه لا يجد جدوى من طرح البدائل الجدّية قبل إيجاد بيئة ملائمة لتلقفها، وفق ما يُنسب اليه.

ميشال عون بالع البحصة... لا يهضمها!

ذكرت "الجمهورية" أنّ "أكثر الذين يعرفون ما يجري في ملف الرئاسة هو رئيس الجمهورية السابق ميشال عون نفسه. ولذلك، هو صامت تماماً، وكأنّه أصبح خارج المسرح. لكنه، على الأرجح، "سيبقُّ البحصة" ذات يوم، مركّزةً على أنّ "عون لا يستطيع أن يبلع الخيبة التي أُصيب بها، في الحصول على ما يطلبه من "حزب الله". والمسألة لا تتعلق تحديداً بتفضيل سليمان فرنجية على جبران باسيل، بل تعود إلى ما قبل ذلك، إلى علاقة الحزب بعون نفسه، في نهايات ولايته".

وبيّنت أنّ "اليوم، يلتزم عون الصمت الكامل، وكأنّه غير موجود على الساحة. ولم يُنقَل عن لسانه سوى بعض كلام العتب القاسي تجاه "حزب الله" قبل فترة. والصمت يعود إلى أسباب عدة:

1- لأنّه لا يريد إحراق رصيده مع الحزب بالدخول في مهاترات معه.

2- لأنّه ما زال مقتنعاً بأنّ "حزب الله" يمكن أن يبدّل موقفه ويتبنّى ترشيح باسيل.

3- لأنّه فعلاً يعيش تحت تأثير سلسلة صدمات:

- الأولى هي موقف الحزب الذي لم يحاول ابتداع صيغة دستورية عبر المجلس النيابي، تسمح له بالبقاء في بعبدا، على رغم من أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية بدا متعثراً.

- الثانية هي أنّ "حزب الله" سمح لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بكسب المعركة وانهزام عون، بل وفّر له التغطية الكاملة لممارسة أعمال مجلس الوزراء في ظل الشغور في موقع رئيس الجمهورية، وهو أمر لم يتوقع عون حدوثه.

- الثالثة هي أنّ الحزب لم يُبدِ أي ليونة تجاه باسيل حتى اليوم، وما زال متمسّكاً بفرنجية، علناً على الأقل.

- الرابعة هي دعم الحزب لخيارات خصوم عون، أو سكوته عنها على الأقل والسماح بإمرارها".