في الوقت الذي تُطرح فيه الكثير من الأسئلة، حول الأسباب التي دفعت "الثنائي الشيعي" إلى الإعلان عن تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أنه لم تظهر في الصورة العامة أيّ تبدلات من الممكن أن تُفسر على أساس أنها داعمة لهذا الترشيح، هناك في المقابل من يدعو إلى إنتظار الخطوات التي من الممكن أن تقوم بها المعارضة، التي لا تزال بأغلبها تدعم ترشيح رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوض.

في لعبة الأرقام، لم يتمكّن فرنجية، حتى الآن، من جمع أكثر من 50 نائباً داعماً له، الأمر الذي يصعب من مهمّة إيصاله إلى القصر الجمهوري، لا سيما أنّ "الحزب التقدمي الإشتراكي" لا يزال بعيداً عن هذا التوجّه، بينما بات من الواضح أنّ غالبيّة النوّاب السنّة المستقلين ليسوا في وارد الذهاب إلى أيّ خيار لا ترضى عنه المملكة العربية السعوديّة، لكن ماذا عن القوى المعارضة التي كانت تدعو الفريق الآخر إلى التخلّي عن الورقة البيضاء والكشف عن إسم مرشحه؟.

على مدى جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية الماضية، لم تتمكن قوى المعارضة من الإقتراب من الرقم 50، بالنسبة إلى الأصوات الداعمة لمعوّض، مع العلم أنّ رئيس "الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط كان قد بادر لاحقاً إلى التخلّي عن هذا الخيار، الأمر الذي ترى مصادر سيّاسية متابعة، عبر "النشرة"، أنه يعود إلى الإختلاف في وجهات النظر بين أركانها، وتضيف: "حتى تلك الداعمة لرئيس حركة "الإستقلال" ليست متّفقة فيما بينها على الكثير من الملفات الأخرى، بل كانت تريد أن تخوض معركة عدديّة بالدرجة الأولى".

بناء على ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أنّ القوى المعارضة، على إختلاف مشاربها، تبدو بعيدة عن الوصول إلى الرقم 50 الذي يحظى به رئيس تيار "المردة"، وبالتالي هي من الناحية العمليّة ليست في موقع القوي، باستثناء قدرتها على منع وصول فرنجيّة، من خلال إستخدامها ورقة مقاطعة جلسات الإنتخاب، التي كانت تنتقد الفريق الآخر بسبب إستخدامه لها، مع العلم أنها ليست جميعها متفقة على الحق في إستخدام هذه الورقة، والخلافات حول هذه المسألة من الممكن أن تتوسّع، في حال تمكن فرنجية من الوصول إلى جمع 65 صوتاً.

في الوقت الراهن، لا يمكن تجاهل أن القوى المعارضة تستفيد من الخلاف القائم بين قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، حول مسألة تبنّي ترشيح فرنجيّة، نظراً إلى أنّ هذا الخلاف لا يحول فقط دون تأمين الأصوات اللازمة لإنتخابه، ولو بأكثرية النصف زائد واحد، بل أيضاً يحرمه من ورقة الميثاقيّة المسيحيّة، على إعتبار أنه مرفوض من الكتلتين النيابيتين الأكبر.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أن الكتل النّيابية المعارضة هي في موقع المحرج، بعد مبادرة الثنائي الشيعي إلى الإعلان عن تبني ترشيح رئيس تيار "المردة"، نظراً إلى أنها باتت تفتقد إلى المرشح القادر على المنافسة الجدّية، في حين من الصعب عليها أن تنجح بالتوافق على إسم جديد في ظل الخلافات التي تعصف بين أركانها، وهو ما قد يقود إلى زيادة الضغوط عليها في الفترة المقبلة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، كانت غالبية هذه القوى تخفي وراء تبنيها ترشيح رئيس حركة "الإستقلال" دعمها لوصول قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية، على إعتبار أنه يحظى بتأييد العديد من الجهات الإقليمية والدولية المتحالفة مع هذه القوى، لكن مبادرة الثنائي الشيعي إلى رفع "الفيتو" بوجهه، من خلال رفض الحاجة إلى تعديل دستوري، قلبت المعادلة رأساً على عقب، وبالتالي صار لزاما عليها البحث عن خيارات أخرى، سواء كانت جدّية أو غير جدية.

في المحصّلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأنه بإستثناء سلاح النصاب، ليس هناك من ورقة رابحة تجمع عليها غالبية القوى المعارضة، الأمر الذي من المرجّح أن تتخلى عنه في حال التوصل إلى تسوية كبرى برعاية إقليمية ودولية، لكن في المقابل هناك من يعتبر أن هناك ورقة أخرى من الممكن أن تذهب إليها، بالرغم من صعوبة توقّع حصولها في المرحلة الراهنة، تكمن بإتفاق مسيحي-مسيحي على مرشح رئاسي، لا سيّما بين "القوات" و"الوطني الحر".