لفتت صحيفة "الأخبار"، إلى أنّ "ظاهر الاستحقاق الرئاسي في الأيام الأخيرة يعاكس باطنه. المعلن والموحى به أن البلاد كأنّها قريبة من انتخاب الرئيس، فيما الكامن المضمر أنه أضحى أبعد ممّا كان منذ ما قبل أكثر من أسبوع. كلتا وجهتَي النظر مصيبتان وخائبتان في الوقت نفسه".

وأشارت إلى أنّ "بعدما جهر الثنائي الشيعي بمرشحه النائب السابق سليمان فرنجية، لم يعد ينقص القواعد الطبيعية والمنطقية لانتخابات الرئاسة سوى تحديد موعد جلسة الانتخاب، كي يتنافس فيها المرشحان المعروفان، فرنجية ونائب زغرتا ميشال معوض المسمّى من فريق المعارضة. فجأة، صار انتخاب الرئيس يشبه الماضي البعيد ويناقض الماضي القريب".

ورأت الصّحيفة أنّ "في المسار الذي بات أخيراً يسلكه الاستحقاق الحالي، في ظاهره على الأقل، أنها المرة الأولى -قياساً بما عبر- يكون طبيعياً. ربما أكثر من طبيعي ومنطقي، لأنه وصل الى محطة يُظنُّ أنها الأخيرة -كما في الماضي- بوجود مرشحَين رسميَّين معلنَين، الى مرشحين سواهما غير معلنين؛ ما يفسّر أن البلاد أمام فرصة خاتمة الشغور".

وركّزت على أنّ "في الجلسات الإحدى عشرة المنصرمة، أهون السبل ذهاب الكتل النيابية الى البرلمان، لإظهار انصياعها للنصّ الدستوري بانتخاب الرئيس. غير الطبيعي في الجلسات تلك، أنّ لدى فريق مرشحاً معلناً هو ميشال معوّض، ولدى فريق آخر مرشحاً شبحاً بلون الشبح هو الورقة البيضاء، فضلاً عن سخرية نواب من الاستحقاق نفسه بالاقتراع لمسمّيات ونعوت. في الجلسات تلك، توافر الثلثان للدورة الأولى من الاقتراع، ثم راح يطير النصاب بعد انتهائها".

كما بيّنت أنّ "في المسار الجديد، انقلبت الأدوار رأساً على عقب: الذين كانوا يتمسّكون بانعقاد الجلسات والمكوث في القاعة، باتوا يلوّحون منذ الآن بامتناعهم عن الحضور وتعطيلها، والذين عكفوا على إعطاب نصاب الثلثين في الجلسات نفسها هم الآن مستعجلون الذهاب الى التصويت. إذاً، الحصيلة نفسها: لا جلسة قريبة لانتخاب الرئيس، بعدما انتهى الاشتباك بين الجانبين الى استخدام السلاح الأبيض في المواجهة، وهو نصاب ثلثَي البرلمان كي يتمكّن من الانعقاد: يريده الثنائي الشيعي وحلفاؤه لانتخاب فرنجية، ويريده الفريق الآخر لانتخاب سواه".

تفاصيل جريمة القرقف: هكذا قتل الشيخُ الشيخَ

ذكرت "الأخبار" أنّ "على مدى خمسة أعوام، لم تخمد نار الخلاف بين رئيس بلدية القرقف العكارية الشيخ يحيى الرفاعي، وهو إمام مسجد ومدير لمدرسة الأندلس، وإمام وخطيب مسجد القرقف الكبير الشيخ الراحل أحمد شعيب الرفاعي. الشكاوى الرسمية التي رفعها عدد من أبناء البلدة ضدّ رئيس البلدية، منذ عام 2012، واتهامه بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة الى استثمارات خاصة، وبيع مشاعات البلدة، وطلب التحقيق معه في أسباب "كسبه المادي بصورة فاحشة:، تطوّرت إلى اشتباكات وصدامات واعتداءات وإحراق سيارات".

وأكّدت أنّ "الشيخ أحمد لم يهدأ يوماً في متابعة الشكاوى، وفضح ممارسات الشيخ يحيى على مواقع التواصل الاجتماعي. مطلع شباط الفائت، تجدّد الخلاف وتطور إلى إطلاق نار بين الجانبين، بعدما نشرت صفحة وهمية على فايسبوك باسم "ريم الرفاعي"، اتهامات طاولت رئيس البلدية وعائلته. وأبلغ علي يحيى الرفاعي المحققين أنه بعد ادّعاء والده لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، تبيّن أنّ من يدير الصفحة هو الشيخ أحمد وشقيقه محمود المقيم في ألمانيا".

وأفادت الصّحيفة، بأنّه "بدا أن الخلاف المزمن غير قابل للحل، فقرّر رئيس البلدية، بعد فشل كل محاولاته لإسكات غريمه، أن "آخر الدواء"... القتل، وبدأ التخطيط لتنفيذ جريمته"، مبيّنةً أنّ "إلى جانب ابنه علي (مواليد 1995)، كان على يحيى الرفاعي البحث عن منفّذين آخرين، فوقع خياره على أبناء شقيقته الثلاثة الذين يرعاهم منذ وفاة والدهم. استدعاهم، وعرض عليهم خطته لخطف الشيخ أحمد وقتله، فوافق الثلاثة على الفور على تنفيذ ما يطلبه "الخال".

وأوضحت، استنادًا إلى "تحقيقات فرع المعلومات الّتي كشفت تفاصيل ملابسات قتل الرفاعي"، أنّ "قبل أسبوع من موعد ارتكاب الجريمة، تولّى علي استطلاع شوارع مدينة طرابلس لاختيار المكان الأنسب والأهدأ لاستدراج الضحية، بعيداً عن كاميرات المراقبة، ووجد ضالّته في موقع خلف مبنى الجامعة العربية في الميناء. بعدها، استطلع الشيخ يحيى الموقع بنفسه، يرافقه نجله وأبناء شقيقته، وعاينوا المسالك المؤدية إلى الموقع ومنه... لتبدأ مرحلة التنفيذ".

كما لفتت إلى أنّ "مطلع شهر شباط، راسل علي الرفاعي الشيخ أحمد عبر تطبيق "واتساب"، منتحلاً صفة امرأة تُدعى "نانسي عباس"، تطلب مساعدته في قضية طلاق. تكررت المراسلات وتوطّدت العلاقة هاتفياً بين الشيخ أحمد ونانسي المزعومة، التي تودّدت إليه وأرسلت له صوراً مسحوبة من الإنترنت، مدّعية أنها صورها. وادّعت أنها تعمل في صالون لتصفيف الشعر تملكه "سارة الحسين"، وأرسلت له صور الأخيرة، وعرضت عليه التواصل معها، مدّعية أنها ترغب في الزواج. لم تكن "سارة الحسين" إلا علي الرفاعي نفسه".

وتابعت "الأخبار": "بدأت الاتصالات بين الشيخ أحمد و"سارة"، وتطورت إلى أحاديث حميمة، وأرسلت إليه صوراً مسحوبة من الإنترنت، فكان أن عرض عليها عقد زواج موقت. الأحد في 19 شباط، نسّقت "سارة" موعداً مع الشيخ أحمد على أن تلتقيه في اليوم التالي بحضور "نانسي"، عند السادسة والنصف مساء، خلف مبنى جامعة بيروت العربية، وطلبت منه أن يحضر معه صنفاً من الحلويات وهاتفاً خلوياً، كون هاتفها يُعاني من مشكلة في الإرسال".

وكشفت أنّ "في التحقيق معه، أفاد علي الرفاعي بأن أي اتصال صوتي أو بتقنية الفيديو لم يحصل بين "سارة" والشيخ أحمد، وأن الأخير حاول في إحدى المرات الاتصال بـ"سارة" هاتفياً، فقطعت الإنترنت عن الاتصال وتذرّعت بأن الشبكة ضعيفة"، مشيرةً إلى أنّ "طرف الخيط الأول الذي تبعه المحققون، كان بعض كاميرات المراقبة المثبتة على جوانب طرقات عبرتها سيارة الشيخ الرفاعي، وهي من طراز "هوندا- Crv" لون فضي. فتبين أنّ منفذي عملية خطف الشيخ استخدموا سيارتين من طراز "كيا"، إحداهما سوداء تحمل لوحة مزوّرة، والثانية عائدة إلى رتيب في قوى الأمن الداخلي. (استُمع إلى إفادته لاحقًا، وتبين أنّه أعار سيارته إلى ابن عمه من دون أن يكون على علم بأي أمر حول الجريمة). كما اتفق المنفّذون على عدم اصطحاب هواتفهم الخلوية أثناء العملية، والتواصل عبر أجهزة «ووكي توكي» لعدم تعقّب اتصالاتهم".

وركّزت على أنّ "هذه السيارة كانت في انتظار الشيخ أحمد، الذي وصل بسيارته لتلحق به سيارة الـ"كيا" السوداء التي كان الشيخ يحيى يقودها وإلى جانبه نجله علي، وسدّت الطريق وراءه. ترجّل الشبان الثلاثة من السيارة الأولى، وكانوا يرتدون لباس قوى الأمن الداخلي ويحملون أسلحة، ما أوحى بأن ما يجري هو عملية أمنية. أمروا الشيخ بالنزول من سيارته، ليعالجه علي الرفاعي من الخلف بضربة من كعب مسدسه، فسقط أرضاً، ثم عاجله بضربة بـ"قسطل" حديديّ فغاب عن الوعي. قيّد الشبان الأربعة الضحية بالأصفاد، وربطوا رجليه بأربطة بلاستيكية، وحشروه في صندوق السيارة التي كان الشيخ يحيى وراء مقودها".

إلى ذلك، ذكرت الصّحيفة أنّ "... في الطريق إلى الضنية، تعالى أنين الشيخ الذي استفاق وبدأ بالضرب على صندوق السيارة، فترجّل علي منها وفتح الصندوق وضرب الضحية على رأسه بالقسطل مرة أخرى، ليغيب عن الوعي مجدداً. بعد فترة قصيرة، استفاق الشيخ مجدداً، وعاد إلى الضرب على صندوق السيارة، فترجّل علي مرة أخرى، ومجدداً وجّه إلى الشيخ ضربة بالقسطل أفقدته الوعي. مرة ثالثة، استفاق الشيخ من غيبوبته وعاد إلى الضرب على صندوق السيارة. أوقف الشيخ يحيى السيارة إلى جانب الطريق الخالي من المارة في محلة المعرض، وقال لنجله: "يللا"، فترجّل الأخير وفتح صندوق السيارة وصوّب مسدسه إلى قلب الشيخ أحمد وأطلق النار، وظنّ أنه أنهى عليه".

وتابعت أنّ "السيارة أكملت طريقها، وقبل وصولها إلى حاجز الجيش في دير عمار، فوجئوا بأنين مرتفع يصدر من صندوق السيارة، وبطرق من الداخل، فقال علي: "يبدو أن الرصاصة أصابت أسفل القلب"! عندها بدأ الشيخ يحيى يطلق "زمور" السيارة للتمويه على صوت الأنين، وعاد أدراجه مسرعاً في اتجاه المعرض، حيث ترجّل علي وابن عمته، وعمدا إلى ربط يدي الشيخ برقبته قبل أن يطلق علي رصاصة على رأسه. قاد الشيح يحيى السيارة باتجاه دير عمار، وقبل الوصول إلى الحاجز، توقف للتأكد من أن الضحية أسلمت الروح".

وأفادت بأنّ "الثلاثة وصلوا إلى وجهتهم في منطقة عيون السمك، حيث كانوا قد جهّزوا مسبقاً حفرة بعمق ثلاثة أمتار، ألقوا فيها الجثة وأهالوا عليها بعض التراب عليها بواسطة رفش تركوه هناك مسبقاً، ليعود ابن شقيقة الشيخ يحيى لاحقاً، وهو سائق جرافة، لطمر الحفرة تماماً".