لا يزال الاتّفاق السّعودي- الإيراني على استئناف العلاقات الدّبلوماسيّة، الحدث السّياسي الأبرز إقليميًّا وحتّى محليًّا. في هذا الإطار، لفتت أوساط دبلوماسية لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "لبنان دخل على غرار المنطقة في مرحلة سياسية جديدة، ستكون محكومة بالاتفاق السعودي- الايراني برعاية صينية، وانّ قطار التسوية الرئاسية انطلق مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، والمنطقة التي شهدت سنوات من التسخين السياسي، ستنتقل الى مرحلة من التبريد، وهذه المرحلة ستكون محكومة ومضبوطة ضمن تسويات سياسية تعيد الاستقرار الى ربوعها".

ورأت أنّ "لبنان سوف يتجه في الاسابيع القليلة المقبلة الى انتخابات رئاسية لا غالب فيها ولا مغلوب، من خلال اعادة إحياء شعار الرئيس الراحل صائب سلام الشهير على أثر أحداث 1958، وفور الانتخابات الرئاسية سيُصار الى تكليف رئيس حكومة وتشكيل وزرائها. وبالتالي، يدخل لبنان في مرحلة جديدة من التبريد، الامر الذي يؤكد أنّ الوضعية اللبنانية مرتبطة على غرار اوضاع اخرى بملفات المنطقة وتشعباتها وتناقضاتها".

وركّزت الأوساط على أنّ "ما حصل في ترسيم الحدود البحرية، يتكرر اليوم في الرئاسة ولكن بأبعاد أخرى، إذ انّ الترسيم حصل على خلفية تقاطع أميركي- إيراني تُرجِم من خلال التفاهم والترسيم بين لبنان واسرائيل. ولكن ما يحصل اليوم على مستوى السعودية وايران هو أبعد من ذلك، في اعتبار انّ التناقض كان سيّد الموقف في أكثر من دولة، وتحديداً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان"، مبيّنةً أنّ "هذا التفاهم الذي سيترجم بتبادل العلاقات الدبلوماسية، سيترجم ايضاً تبريداً في هذه الدول، وتشجيعاً وحَضّاً على تجاوز الشغور والازمات التي كانت قائمة، ومعالجة الملفات الموجودة".

وأشارت إلى أنّ "من الواضح انّ لبنان سينتقل الى مرحلة وطنية وسياسية جديدة، وهذه المرحلة سيكون العنوان الاول فيها لبنانياً هو معالجة الوضع المالي لأنّ لبنان سيستفيد، وعلى القوى السياسية في لبنان على اختلافها ان تستفيد من المناخات المؤاتية في المنطقة، من اجل معالجة اوضاع لبنان المالية والاقتصادية وإعادة وضع لبنان على سكة الاصلاح لربطه مع صندوق النقد، ولا شك ايضاً انّ تسوية من هذا القبيل ستمد لبنان بمساعدات خليجية، وستفتح الباب امام عودة الرساميل والاستثمارات".

كما شدّدت على أنّ "على القوى السياسية في لبنان ان تستفيد وان لا تتلكّأ في الاسراع للاستفادة من هذه المناخات والاجواء الخارجية، لإبرام تسويات تؤدي الى عودة الاستقرار السياسي والمالي الى ربوع لبنان، ولا شك في انّ هذه التسوية التي ستحصل بالتأكيد في الاسابيع القليلة المقبلة، كترجمة فورية وعملية للاتفاق السعودي- الايراني، ستكون أمتن وأقوى من "تسوية الدوحة" أو من التسوية الرئاسية في العام 2016، لأنّ هذه التسوية تأتي بضمان سعودي- إيراني مباشر؛ ومن مصلحة السعودية وايران إنجاح هذه التسوية لا إفشالها".

مفاعيل تلقائية

من جهتها، استبعدت أوساط سياسيّة مطّلعة أخرى، عبر "الجمهوريّة"، أن "يترك الاتفاق السعودي- الإيراني مفاعيل إيجابية تلقائية على الاستحقاق الرئاسي"، مؤكّدةً أنّه "سيُريح الوضع العام، لكن من الصعب أن تكون له ترجمة فورية في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية".

واعتبرت أنّ "العائق الأساسي الذي لا يزال يحول دون انتخاب رئيس الجمهورية يبقى داخلياً، نتيجة تركيبة مجلس النواب المبعثرة والموزعة الى قوى مُشتتة يصعب التوفيق فيما بينها، من دون إغفال الدور الرافد للمؤثرات الخارجية سلباً او إيجاباً"، موضحةً أنّه "حين تحصل تفاهمات دولية او اقليمية، يستعيد البعد الداخلي للازمات اللبنانية حجمه الحقيقي".

وأفادت الأوساط بأنّ "أسهم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية هي الأكثر ارتفاعاً حالياً، الّا انّ وصوله الى قصر بعبدا يتطلّب بالدرجة الأولى قوّة دفع داخلية، مع الأخذ في الحسبان انّ التفاهم السعودي- الايراني يمكن أن يشكل بيئة ملائمة، وإنما غير حاسمة لخيار ترشيحه".

في سياق متّصل، قالت مصادر دبلوماسية لبنانية لـ"الجمهوريّة"، إن "الحراك الدبلوماسي السعودي سيبلغ مداه هذا الاسبوع، إذ سيستكمل فيه السفير السعودي حراكه الذي بدأه الأسبوع الماضي، بزيارة الصرح البطريركي في بكركي"، لافتةً إلى "أنّها لم تتلق بعد أي إشارة أو معلومة تتحدث عن حصة لبنان او موقعه من التفاهم السعودي- الايراني، في انتظار مزيد من التقارير الدبلوماسية المنتظرة من العواصم المعنية بالحدث الجديد، ليُبنى على الشيء مقتضاه".

تحرُّك بري

في غضون ذلك، ذكرت "الجمهوريّة" أنّه "يُنتظر ان يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري محور الاتصالات داخلياً ومع الرياض وطهران، خصوصاً انّ الجميع يتوقع ان يؤدي دوراً يتخطّى الساحة الداخلية الى المنطقة، اذ انه كان من أبرز الداعين الى اعادة تطبيع العلاقات بين السعودية وايران، وهو ما كان قد عَبّر عنه قبل أسبوعين في كلمته خلال الاحتفال بافتتاح المبنى الجديد للسفارة الايرانية في بيروت".

الراعي يدعو النواب المسيحيين إلى "يوم رياضة روحية ومصالحة"

أشارت صحيفة "الشّرق الأوسط"، إلى أنّ "البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يستمر في محاولاته لإزالة العوائق أمام استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية، وكان آخرها دعوته أمس الأحد، النواب المسيحيين إلى "يوم رياضة روحية ومصالحة"، بعدما سبق أن رفضت بعض الكتل المسيحية طرح جمع القيادات المسيحية في بكركي للبحث في الانتخابات الرئاسية".

وبيّنت أنّ "دعوة الراعي تأتي في موازاة حراك يقوم به راعي أبرشية أنطلياس المطران أنطوان أبو نجم، مكلفاً من البطريرك، عبر لقائه القيادات المسيحية، في محاولة منه لتقريب وجهات النطر فيما بينهم، والاتفاق على عدد من المرشحين".

في هذا السّياق، أكدت مصادر "التيار الوطني الحر" للصّحيفة، "أنها تؤيد أي اجتماع تدعو إليه بكركي"، مطالبة في الوقت عينه بانتظار ما سينتج عن حراك المطران أبو نجم.

من جهتها، ذكّرت مصادر حزب "الكتائب اللبنانية"، عبر "الشّرق الأوسط"، بأنّ "رئيس الحزب النائب سامي الجميل سبق له أن أبلغ المطران أبو نجم أنه سيشارك في أي لقاء تدعو له بكركي، لكنه في الوقت عينه لن يقبل بمرشح "حزب الله" للرئاسة، أو أي مرشح لتمرير الوقت. وهو في الوقت عينه منفتح على النقاش بأي أسماء أخرى، كتلك التي يتم التداول بها، والتي لا تعتبر محسوبة على فريق معين".

في المقابل، لا ترى مصادر حزب "القوات اللبنانية" لـ"الشّرق الأوسط"، "جدوى من لقاء يجمع فقط النواب المسيحيين للبحث في أزمة وطنية"، مشدّدةً على أنه "عندما توجه الدعوة يبنى على الشيء مقتضاه، وسيكون لرئيس الحزب سمير جعجع موقف منها". وأضافت: "بالنسبة إلينا، ورغم البعد الروحي لهذه المسألة، ومع كامل الاحترام للراعي ودعوته، لا نحبذ كثيرا لقاء بين نواب مسيحيين يختلفون بين مشروعين ورؤيتين بشكل جذري وعمودي، خاصةً في ظل أزمة ذات طبيعة وطنية وانتخابية رئاسية، وانقسام وطني وليس مسيحيا فقط".