على الرغم من الإختلافات في قراءة تداعيات الإعلان، في الأسبوع الماضي، عن الإتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية، إلا أن هناك إجماعاً على أنه ليس حدثاً عابراً، وبالتالي سيكون له تداعيات كبيرة على مستوى المنطقة، لا سيما إذا لم يتعرض إلى أيّ إنتكاسة في المرحلة المقبلة.

من حيث المبدأ، هناك مجموعة من المعطيات التي ينبغي التوقف عندها على هذا الصعيد، أبرزها أن هذا الإتفاق جاء برعاية من بكين، الأمر الذي يعني أن ​الصين​، خصوصاً إذا ما كتب لهذا الإتفاق النجاح، دخلت بشكل قويّ إلى قلب منطقة ​الشرق الأوسط​، إنطلاقاً من القوّة الإقتصادية التي تمتلكها، بعد أن كانت ​الولايات المتحدة​، لا سيما بعد إنتهاء الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيّاتي، تمسك بزمام الأمور في كافة الملفات، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى "الحرتقة".

بالنسبة إلى التداعيات المحتملة على الواقع اللبناني، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الأساس هو ما يمكن أن ينعكس على ملفّين آخرين، الأول هو الملف اليمني الذي تعطيه الرياض أهمّية أكبر من سائر الملفّات الأخرى، أما الثاني فهو الملفّ السوري حيث بات من الواضح أن هناك تقدماً على هذا الصعيد، أما بالنسبة إلى الملف المحلي فقد يكون حديث وزير الخارجية السعوديّة الأمير فيصل بن فرحان عن الحاجة إلى تقارب لبناني–لبناني، هو التعبير الأفضل عما ينتظره من تداعيات في الأيام المقبلة.

على الرغم من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى وجود قراءات مختلفة لهذا الواقع لدى الأفرقاء اللبنانيين المختلفين، فقوى الثامن من آذار تميل إلى إعتبار أن هذا التقارب يصب في صالح مرشّحها لرئاسة الجمهوريّة رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة، بينما ترى القوى الأخرى المتحالفة مع الرّياض أنّ ما حصل يفتح الباب أمام تسوية لا يكون فرنجيّة من ضمنها، بالرغم من إقتناعها بأن الأمور تتجه إلى تسوية مرحليّة، إنطلاقاً من التوجّه العام نحو التهدئة على مستوى المنطقة.

من حيث المبدأ، تؤكّد هذه القراءات المختلفة بأنّ الأفرقاء المحليين يستعجلون توقع التداعيات المحتملة، نظراً إلى حاجتهم إلى تسوية سريعة تعيد ترتيب الحياة السّياسية، بعد أن عمدوا إلى رفع سقف مطالبهم عالياً، على أساس أن هذه هي السياسة الأفضل قبل الوصول إلى لحظة الجلوس على طاولة المفاوضات.

في هذا السياق، ترى المصادر السّياسية المتابعة أنّ كل ما يطرح اليوم من مواقف هو عبارة عن آمال ورهانات جديدة لا أكثر، نظراً إلى أنّ الإتفاق السعودي-الإيراني، أياً تكُن بنوده غير المعلنة، يحتاج إلى المزيد من الوقت كي يترجم من الناحية العمليّة، وتشير إلى أن الملف اللبناني ليس هو الأولوية كما أصبح واضحًا، نظراً إلى وجود ملفات أكثر أهمية تحتاج إلى معالجة، وبالتالي يجب إنتظار بعض الوقت لمعرفة ما قد يترتب عليه.

في المحصّلة، توضح المصادر نفسها أنّ الرياض وطهران ليسا اللاعبان الوحيدان على الساحة المحلية، بل هناك مجموعة أخرى من اللاعبين المؤثرين، وبالتالي لا يمكن توقع حصول تسوية سريعة بمجرد إتفاقهما، من دون تجاهل عاملاً آخرَ لا يقل تأثيراً، هو أن الإتفاق بينهما ربّما لم يتطرق إلى الملفّات الإقليمية التي يتشاركان النفوذ فيها، وبالتالي أيّ تفاوض حولها، بعد تقدم الإتفاق الأساسي، سيحتاج إلى المزيد من الوقت والكثير من شدّ الحبال.