أثار قرار "الأونروا" بتوقيف الأستاذ رياض مصطفى عن عمله كمدرس في مدرسة "المنارة" التابعة للوكالة في "نهر البارد"-شمال لبنان، بحجة نشره مواد وطنية على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرتها تحريضاً وانتهاكا للحياديّة، ضجّة كبرى في الأوساط السياسية والتربوية والشعبية الفلسطينية، لم تقتصر على حدود المخيم حيث مركز عمله، بل امتدت إلى كل المخيمات.

قرار "الأونروا" بحق الاستاذ، جاء على خلفية نشره مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة به (على صفحته في الفيسبوك) لإبراهيم النابلسي، الذي اغتالته قوات الاحتلال الاسرائيلي في آب من العام الماضي 2022 في مدينة نابلس، وهو أحد كوادر "كتائب شهداء الأقصى" يبلغ من العمر 19 عامًا فقط، وترك رحيله أثرًا كبيرا في الشارع الفلسطيني.

في شباط 2022، فصلت "الأونروا" المعلم محمد خليل في مدرسة جبل الطابور بمخيم نهر البارد، بذريعة نشاطه السياسي وانتمائه لحركة "فتح". وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن ما قام به الاستاذ رياض لا يتعارض مع حياديّة "​الاونروا​"، كمنظمة أمميّة ولا يتعلّق بعملها او دوره فيها، غير ان ادارة الاونروا اتخذت قرار توقيفه عن العمل بضغوط من منظمات منحازة لإسرائيل وترجمة لاتفاق الإطار الموقّع بتاريخ 14 تموز 2021 بين كل من "الأونروا" ممثلة بالمفوض العام فيليب لازاريني، والولايات المتحدة الأميركية ممثلّة برئيس المكتب الرسمي للسكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية الأميركية نانسي إزو جاكسون.

بموجب اتفاق الإطار هذا، قدمت الولايات المتحدة الاميركية لوكالة "الأونروا" مبلغ 135 مليون دولار، ما دفع القوى الفلسطينية الى وصفه بأنه دعم مشروط، بما يسلب الوكالة الوظيفة الممنوح لها من قبل الجمعية العامة باستقلالية عملها، ويتحكّم بعملها من خلال تنفيذ ما تطلبه الادارة الأميركية، خاصة وأن الإطار يتخذ من المادة 301 (ج) من القانون الأميركي للمساعدات الخارجية لعام 1961 ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي وافقت عليه "الأونروا".

ويتضمن اتفاق الإطار تحديد طبيعة الدورات التدريبية التي يفترض أن تُعطى للموظفين، والزام "الأونروا" بإجراء عمليات الفحص والتدقيق لموظفيها والمنتفعين من خدماتها والمتعاقد معهم والموردين والمانحين من باقي الدول كل 6 أشهر. على أن تطال عمليات الفحص والتدقيق أيضا منشورات موظفي الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من التزامهم بـ"مبدأ الحيادية"، وعلى "الأونروا" أن ترفع تقاريرها بشكل دوري إلى الولايات المتحدة.

واعتبرت المصادر نفسها، ان قرار التوقيف عن العمل سابقة خطيرة لا يمكن القبول به، رغم أنه قرار مركزي اتخذته إدارة الوكالة أكثر من مرة في مناطق عملها في الأقطار الخمسة ارتباطا باتفاق الاطار، لذلك جاءت الضجة حوله كبيرة ولا تخلو من الاستياء والغضب بسبب خلفياته السياسية وليست الوظيفية او المهنية، وتدحرج ليطال المديرة العامة الجديدة لوكالة "الأونروا" دورثي كلاوس التي لا ينظر الشارع الفلسطيني الشعبي والحقوقي والاهلي إليها بعين الإيجابية، ويتهمها وفق ما يؤكد الناشط الحقوقي الدكتور رمزي عوض، بأنها تقف وراء مشروع طمس الهوية والتاريخ الفلسطيني من خلال نقل الأرشيف الفلسطيني وكتابته بحسب الرواية الاسرائيلية.

الاستياء والغضب ترافقا مع تحركات احتجاجية تربوية، نفذها معلمو "الاونروا" في كل المدارس وكافة المناطق والمخيمات معا، في رسالة رفض واضح للقرار والضغط باتجاه الغائه، ما دفع الوكالة الى اصدار بيان توضيحي روت فيه "تلقى أحد معلمي الأونروا في منطقة الشمال رسالة منها يوم 17 آذار تبلغه بقرار وضعه في إجازة إداريّة مدفوعة الأجر بشكل كامل. ستبدأ عملية التحقيق بشكل فوري يوم الاثنين للنظر في عدم الامتثال لبروتوكول موظفي الأمم المتحدة بخصوص الالتزام بقيمها ومبادئها. هذا القرار تم اتخاذه على مستوى الأونروا ككل بخصوص حالات مماثلة كذلك في أقاليم أخرى لعملياتها وهو ليس خاصا بإقليم لبنان. نأمل أن تنتهي عملية التحقيق بسرعة وبدون أن يكون هناك أي تأثير على تسيير خدمات الأونروا بما في ذلك التعليم".

بالمقابل، تحرك إتحاد العاملين المحليين في "الاونروا" وكشف أن "المجلس التنفيذي بحث مع كلاوس قضية التوقيفات والتحقيقات الاخيرة، وفي المقدمة منها توقيف الاستاذ مصطفى على خلفية الادعاء بخرق "الحيادية" الذي جاء في سياق عدة توقيفات بكافة الاقطار، مؤكدا على اعتزازنا بانتمائنا الوطني الفلسطيني وضرورة وقف الوكالة لهذه التوقيفات والتحقيقات وعدم الخضوع لشكاوى UN WATCH المعادية لشعبنا، مطالبا بضرورة التراجع عن التوقيف، والإسراع في إغلاق هذه القضية وعودته إلى عمله، ناقلا عن المديرة كلاوس أنها سوف تبدأ من اليوم (الاثنين) العمل سريعا وبشكل جدي لاغلاق هذه القضية بأسرع وقت ممكن. ووعدت البحث وبشكل جدي في اعادة النظر بالتعليمات الفنية التربوية فيما يخص العقاب البدني-رغم أنها سياسة الأونروا في كافة الاقطار، مشددا على ضرورة معالجة الشكاوى من هذا النوع داخل كل مدرسة، بما يحفظ حق التلميذ وكرامة المعلم وحسن سير العملية التعليمية.

ولم تتوقف المعالجة عند الاتحاد، بل تواصلت مع القوى الفلسطينية، اذ رفضت الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية الاجراء بحق الاستاذ المذكور، مشيرة إلى أن ما قام به إنما يدل على إنتمائه الوطني، ولا يشكل خرقا للحيادية وسيكون لنا موقف حازم إذا أصرت إدارة الأونروا على قرارها، معاهدة بإتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم يتم الالتزام بهذه التعهدات.

بينما طالب اللاجئون الفلسطينيون "الأونروا" بالانحياز التام للقضية التي أوجدت من أجلها، والعمل على تطبيق القرارات الدولية الضامنة لحقوق اللاجئين والعودة عن قرار توقيف الأستاذ مصطفى. سيما وأن مشاركته للمنشور عن النابلسي، الذي مارس عملاً مقاوماً في الأراضي المحتلة عام 1967، قد سمح القانون الدولي فيها بالعمل المقاوم للاحتلال. بينما تتعامى عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق اللاجئين الفلسطينيين، سواء بمنع تطبيق حقّ العودة، وفقاً للقانون الدولي، أو الاقتحامات شبه اليومية لمخيمات اللاجئين في الضفة الغربية.