خطف "حدثان" وُصِفا بـ"المفصليّين"، الأضواء خلال الأيام القليلة الماضية على كلّ المستويات، محليًا وإقليميًا، سياسيًا واقتصاديًا، من دون أن ينجحا، حتى الآن هذا الأقلّ، في إحداث أيّ خرق، أو تغيير بالحدّ الأدنى، على صعيد استحقاق رئاسة الجمهورية "المؤجَّل"، وربما "المجمَّد"، على وقع الانقسام "العمودي" الذي ازداد "تعقيدًا" بعد إعلان الثنائي الشيعي دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وأعاد إلى الأذهان مرحلة "8 و14 آذار".

فمن الصين، جاء الحدث الأول، مع الإعلان عن "تسوية" سعودية إيرانية، أنهت سنوات من القطيعة، بموجب اتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية، في تطور إقليمي بالغ الأهمية، وقد تكون له انعكاساته الجوهرية على الكثير من ملفات المنطقة، لكنه اصطدم سريعًا في لبنان بـ"الرهانات والرهانات المضادة"، حيث سارع اللبنانيون إلى "التكهّن" بترجمة "رئاسية" للاتفاق، في وقت توحي المؤشرات أنّ مثل هذه "الترجمة" ستتأخّر.

أما الحدث الثاني والذي يصحّ وصفه بالمتوقع والمباغت في آنٍ واحد، فكان "نجمه" مرّة أخرى ​الدولار​، الذي يصرّ على مواصلة تسجيل الأرقام القياسية، بعدما أنجز "مئويته الأولى"، التي أسهمت سريعًا في رفع الأسعار إلى مستويات غير معهودة، في ظلّ نظام "الدولرة الشاملة" الذي باتت تعتمده معظم القطاعات، لكنّها لم تنجح في "تعبئة" الجماهير من جديد، بعدما استسلموا على ما يبدو لمواجهة الأزمة بـ"الكوميديا السوداء" في أحسن الأحوال.

ورغم أنّ "الحدثين" مرّا من دون أيّ تأثيرات أو انعكاسات مباشرة على الوضع السياسي، خصوصًا على مستوى الانتخابات الرئاسية، فإنّهما طرحا الكثير من علامات الاستفهام، فهل يبقيان فعلاً بلا انعكاسات "رئاسية" على المدى الطويل؟ وما سرّ "الجمود" المسيطر على البلاد والعباد رغم كلّ شيء، في وقتٍ لم ينسَ أحد كيف أنّ "ضريبة مزعومة" على خدمة "الواتساب" في زمن الـ1500 فعلت فعلها، في زمنٍ بات "جميلاً" مقارنة مع الحالي؟!.

بالنسبة إلى "مئوية الدولار"، فإنّها رغم وقعها "الصادم" في الشكل قبل المضمون، باعتبار أنّ الورقة النقدية "الأعلى" في الليرة اللبنانية ما عادت تساوي من حيث القيمة، الورقة النقدية "الأدنى" في الدولار الأميركي، تبقى حدثًا "طبيعيًا" في مسار تدهور العملة الوطنية، الذي بدأ بالتدحرج منذ ما قبل ربيع عام 2019، ولو أنّ الوتيرة "المجنونة" التي سجّلها في الأسابيع الأخيرة، أثارت "نقزة" الكثيرين ممّن اعتبروها "غير بريئة".

وفي حين رُبِطت هذه الوتيرة بالكثير من الاستحقاقات، من بينها الإضراب المفتوح الذي استأنفته جمعية المصارف، والتحقيق الأوروبي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إضافة إلى تواصل عمليات "التهريب"، فضلاً عن "الدولرة" التي لم توقف "التلاعب" بالأسعار كما أضحى واضحًا، ولكنّها سرّعت في معدلات الانهيار، فإن ما بدا "صادمًا" أكثر منها، تمثّل في ردّة فعل اللبنانيين، الذين تبادلوا "النكات"، بدل الدعوات إلى "المواجهة".

وفيما يرى كثيرون أنّ ما قد يفسّر هذه "الظاهرة" التي باتت تحيّر علماء النفس إلى حدّ بعيد، هو أنّ اللبنانيين باتوا "أعجز" من القدرة على التحرك في مواجهة هذه الفوضى، ربما بناء على "تجربة 2019" التي نجحت المنظومة في "شيطنتها"، علمًا أنّ الكثير منهم فقدوا القدرة على الصمود والتحمّل، بعيدًا عن محاولة البعض تصوير الأمور بشكل مغاير للواقع، عبر الحديث عن المتاجر التي تغصّ بالزبائن، والمطاعم الممتلئة أو "المفوّلة".

وفي وقتٍ كان لافتًا أنّ "مئوية الدولار" التي لم تنجح في "حشد" الشارع من جديد، فشلت أيضًا في "تليين" موقف السياسيين من الاستحقاق الرئاسي، رغم القناعة الراسخة بأنّ "المدخَل الإلزامي" للحلول يكمن في انتخاب رئيس، ولو أنّ ذلك لن يكون بحدّ ذاته "حلاً سحريًا" للأزمات المتفاقمة والمتراكمة، فإنّ الأنظار اتجهت نحو "التسوية السعودية الإيرانية"، التي يعتقد كثيرون أنّها تستطيع أن "تنجز" حيث "فشل" الوضع الاقتصادي المتردّي.

لكن، هنا أيضًا، بدا أنّ "التسوية" لم تحقق أيّ "خرق"، رغم أهميتها وحساسيّتها، مع إدراك أنّ لبنان ليس جزيرة معزولة، ولا بدّ أن يتأثر بأيّ اتفاق بين الرياض وطهران، لما للعاصمتين من "ثقل كبير" في الداخل اللبناني، وربما "موْنة" على أحزاب وقوى أساسيّة، إلا أنّ الواقع وفق ما يقول العارفون، أنّ ما حصل لا يرقى حتى الآن لمستوى "التسوية المتكاملة"، وهو سيبقى قيد الاختبار، لفترة لا تقلّ عن الشهرين، وفق ما نصّت بنود الاتفاق أساسًا.

ويشير المتابعون إلى أنّ "محور" الاتفاق السعودي الإيراني يبقى متركّزًا على ساحات "متفجّرة" أخرى، تحتلّ "صدارة" الاهتمام، وعلى رأسها الملفّ اليمني، وهو ما كان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أثاره حتى قبل إنجاز التسوية، ما يعني أنّ الملف اللبناني في مرتبة "متأخّرة"، علمًا أنّ هناك من فسّر جولة السفير السعودي وليد البخاري على المسؤولين في هذا السياق، حيث أكّد لمن التقاهم أنّ "لا تغيير" في الموقف على مستوى لبنان.

رغم ذلك، بدا واضحًا من "الرهانات" التي أبقت الملف الرئاسي في خانة "الستاتيكو" إن جاز التعبير، أنّ المعادلة بدأت بالتغيير في عيون الفريقين الأساسيّين، فـ"الثنائي الشيعي" الذي أعلن دعمه ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، يوحي أنّ الإفصاح عن هذا الدعم جاء بناء على "معطيات" ناتجة عن الاتفاق، بل إنّه بات "أشدّ تمسّكًا" برئيس تيار "المردة"، وصولاً لحدّ القول بأنّه "قاب قوسين أو أدنى" من الوصول إلى قصر بعبدا، رغم المعارضة الواسعة له.

في المقابل، يبدو معارضو "حزب الله" مقتنعين بأنّ طريق فرنجية إلى القصر "مسدودة"، بل إنّه "يستند" إلى الاتفاق السعودي الإيراني للتأكيد على ذلك، حيث يعتبر أنّ هذا الاتفاق سيدفع طهران إلى تقديم العديد من التنازلات، وبالتالي فإنّ فرنجية سيكون "ضحية" الاتفاق، ويذهب بعض هؤلاء أكثر لحدّ وضع كلام "حزب الله" الداعم لفرنجية في إطار "بيعه الموقف" ليس إلا، ومراعاة خواطره بانتظار "كلمة السر" التي ستدفع الرجل إلى الانسحاب "طوعًا".

في خانة "المراوحة" إذًا، يبقى ملف الرئاسة اللبنانية، رغم كلّ الأحداث والمتغيّرات من حوله، وسط "ترقب حذر" لتداعياتها وانعكاساتها لبنانيًا، تداعيات لا يبدو أنّ "الدولار" قادر على التأثير عليها، مهما ارتفع بعد اليوم، بعدما استسلم الناس لواقعهم السيء، لكن "الرهان" يبقى على الخارج، الذي يراهن كثيرون على أنه سيغادر مربع "الانكفاء" عاجلاً أم آجلاً، وعندها قد يجد الجميع بانتظار "كلمة السر" التي ستصدر عنه، تمامًا كما درجت العادة!.