في الأسبوع الماضي، أكد اللقاء الفرنسي السعودي الذي عقد في ​باريس​، يوم الجمعة، على الإختلاف في مقاربة الملف اللبناني، تحديداً على مستوى ​الإستحقاق الرئاسي​، بين الجانبين، الأمر الذي ينعكس، بشكل أساسي، على الطروحات التي تقدم من قبلهما، بهدف إنجازه بعد أشهر من دخول البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي، على وقع تدهور مستمر في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.

في هذا الإطار، من الضرورة الإشارة إلى أنّ باريس تبدو أكثر المستعجلين، بين القوى الخارجيّة المؤثرة في الساحة اللبنانية، على إنتخاب رئيس جديد، الأمر الذي يظهر من خلال الحماسة التي تبديها في الطروحات التي تتقدم بها، في حين يبدو أن اللاعبين الآخرين غير مستعدين، على الأقل حتى الآن، للدخول في مقايضات غير محسوبة النتائج.

على هذا الصعيد تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الإختلاف في المقاربة يعود إلى عدّة أمور، مرتبطة إلى حدّ بعيد بالأهداف والقدرات التي لدى كل من الجانبين، وتوضح أن الفرنسيين لا يملكون القدرة على توفير العامل الحاسم، وبالتالي هم بحاجة إلى الأفرقاء الآخرين لبلورة تسوية تكون قابلة للحياة، على عكس السعوديين الذين يدركون جيداً أنه، في ظل التوازنات الحالية لمجلس النواب، لا يمكن إنتاج أيّ حل لا يحظى بموافقتهم، لا سيّما مع عدم وجود فريق قادر على إيصال مرشحه الرئاسي وحده.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ العديد من الأفرقاء، الذي يراهن بعضهم خصوصاً من قوى الثامن من آذار على إمكانية إستمالتهم نحو تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، لن يقدموا على هذه الخطوة، لا سيما أنهم يتذكرون جيداً ما حصل مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وبالتالي من الممكن الجزم بأنّ الجبهة ​السعودية​ على المستوى المحلي متماسكة، ولا يمكن إختراقها إلا بتغطية مباشرة من الرياض، التي لا يبدو أنها تفكر في هذا الأمر في الوقت الراهن.

من حيث المبدأ، لدى الجانب الفرنسي الكثير من المصالح، خصوصاً بعد إتفاق ترسيم الحدود البحريّة الجنوبية مع إسرائيل، التي تدفعه إلى السعي لإنجاز الإستحقاق الرئاسي في وقت قريب، على أمل أن يساهم ذلك في ضمان الإستثمارات التي يطمح لها، بينما لدى الجانب السعودي القدرة على الإنتظار لفترة طويلة، طالما أنّ ما يعرض عليه لا يرتقي إلى مستوى ما يطمح إليه.

في هذا السياق، توضح المصادر السياسية المتابعة أن لدى الجانب السعودي نقطة قوّة كبيرة، تتمثل في أن الجميع يتعامل معه على أساس أنّه الوحيد القادر على تقديم مساعدات مالية، من الممكن أن تساهم في إخراج لبنان من الأزمة التي يمر بها منذ ما يقارب 3 سنوات، وتشير إلى أنّ هذا العامل غير متوفّر لدى الفرنسيين، الذين لا يملكون أيضاً القدرة على فرض أي طرح على الأفرقاء المحليين، بالرغم من تلويحهم المتكرر بفرض عقوبات على المعرقلين.

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر المدخل الذي يساعد في فهم التشدد التي تتعامل فيه الرياض مع باريس، بعد أن ظنّ الكثيرون أنها ستكون في طور التساهل بعد الإتفاق مع الجانب الإيراني برعاية صينيّة، حيث تلفت إلى أنّ السعودية لن تذهب إلى تقديم أي تنازل عن الشروط التي تطرحها، منذ فترة طويلة، قبل الحصول على الثمن المناسب، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الإقليمي، لا سيّما أنها تعتبر نفسها في موقع القوّي الذي يحتاجه الفريق الآخر لا العكس.

في المحصّلة، تعتبر المصادر أنّ هذا الواقع، على مستوى النتائج، يعني أنّ المراوحة على مستوى الإستحقاق الرئاسي مستمرة، طالما أنّ المعادلة الراهنة لم تتبدّل والرياض لم تذهب إلى تغيير وجهة نظرها منها، وبالتالي مفتاح الحل يكمن في معادلة أخرى، لن تكون على أساس إنتخاب فرنجيّة المدعوم من قبل قوى الثامن من آذار رئيساً، وبالتالي فتح الباب أمام إمكانية التوافق على مرشّح آخر، أو إقتناع السعوديّة بضرورة تعديل وجهة نظرها من هذا الترشيح، الأمر الذي يحتاج إلى الكثير من الجهود والضمانات أو الأثمان.