لفت رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، تعليقًا على الاتفاق الإيراني- السعودي، إلى "أنّني سبق أن وصفت الخطوة السعودية بأنها ضربة معلم. ما من شك بأن هذا تطور استراتيجي كبير جداً في المنطقة، ودعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض، تشير إلى الحجم الكبير للتغيرات في المنطقة".

وعمّا إذا كان الأميركيون يسمحون باستمرار هذا المسار، أشار في حديث إلى صحيفة "الأحبار"، إلى "أنّني لا أعرف، لكن ما من شك بأن هناك جو حروب باردة كبيراً يطل على العالم، بما فيها الحرب الساخنة الهائلة في أوكرانيا، التي هي حرب بالواسطة بين الأميركيين والروس، وقد تطل على العالم حروب مماثلة في بحر الصين في جنوب شرقي آسيا، حيث نشهد سباق تسلح لا سابق له. في رأيي، البند الأول في المصالحة السعودية- الإيرانية هو الملف اليمني".

وعن رؤيته للانفتاح العربي وضمناً السعودي على سوريا، أوضح جنبلاط أنّه "عندما تحدث خضات كبيرة عالمياً، من حرب أوكرانيا إلى التقارب السوري الخليجي، نرى كيف تدفع الشعوب وحدها الثمن. لكن، بشكل عام، يبدو الأمر اليوم وكأننا نشهد يالطا جديدة. وفي هذا السياق، هناك شعوب بأسرها يُضحّى بها سياسياً وعسكرياً".

وعن انعكاسات المصالحة السعودية - الإيرانية لبنانياً، أكّد أنّ "المطلوب من بعض كبار القادة في لبنان، والقادة بين هلالين، أن يفهموا هذه التغيرات وأن نسير إلى الحد الأدنى من تسوية مقبولة، وأن لا نراهن على العناد وعلى الفراغ. الفراغ يعيد إليّ هاجس التقسيم". وعن قصده بـ"القادة"، قال: "جانب الثنائي الشيعي واضح. تقدموا بترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. أنا أعتقد بأن فرنجية قد يكون مرشح تحدّ، كما أن ميشال معوّض مرشح تحدٍّ. آن الأوان أن نخرج إلى صيغة توافقية. أتحدث عن نفسي".

وذكر "أنّني عندما أقرأ تصريحاً لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أستغرب كيف يقول إنه يفضّل الفراغ، وفي كل يوم تشهد الليرة تدهوراً دراماتيكياً. على الأقل، ينبغي أخذ هذا الأمر الأساسي في الاعتبار"، مشدّدًا على "أنّني كنت واضحاً عندما زارني وفد من "حزب الله" بناء على طلبي، وطرحت عليهم ثلاثة أسماء غير نهائية: جهاد أزعور وصلاح حنين وجوزيف عون. باستثناء أزعور، أعتقد أننا لا نزال تقليديين في طروحاتنا. لماذا لا نخرج من هذا التقليد؟ هناك نخب مارونية. في هذا السياق، طرحت شبلي الملاط ومي ريحاني. بالنسبة إلي هما الأفضل، لكن القرار لا يعود إليّ".

وعمّا إذا كان قائد الجيش لا يزال مرشحاً، ركّز على أنّ "قائد الجيش كان منذ أشهر مطروحاً لدى الفرنسيين والسعوديين والقطريين، ولا أعرف إن كان هناك من جديد بعد التطورات الأخيرة"، معلنًا "أنّني أفضّل أن يكون الرئيس بمواصفات اقتصادية، مثل جهاد أزعور أو غيره. أيضاً هناك مواصفات قانونية. الملاط قادر على أن يجمع كلتي هاتين المواصفتين مع فريق عمل. انتخاب الرئيس يجب أن يترافق مع تشكيل وزارة، وفريق عمل يكون همه الأساسي كيفية وقف التدهور الاقتصادي".

وعمّا إذا كان يعتقد أنه ينبغي أخذ هواجس "حزب الله" في الاعتبار لدى اختيار الرئيس، تساءل: "أي هواجس؟ لا أحد يمكنه أن يطعن المقاومة، وسبق أن ذكرت أن من يتمسكون بما يسمى القرارات الدولية مثل الـ1559، يعيشون في "غير عالم". منذ عام 1967، نتكلم عن القرار 242 ولا يزال الجولان محتلاً، وكذلك القدس والضفة، ولم يُطبّق منه إلا بند واحد بالتفاوض بين مصر وإسرائيل، أعاد إلى مصر أراضيها، وأخرجها من الصراع العربي - الإسرائيلي".

وحول ما إذا هناك مشكل سعودي- فرنسي حول مقاربة الملف الرئاسي، نوّه إلى "أنّني قرأت عن ذلك في الصحف". أمّا عمّا إذا كان مع طرح المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة في أي تسوية، فرأى أنّه "لا بد من فريق عمل منسجم. المقايضة بأن يكون الرئيس من فريق ورئيس الحكومة من فريق آخر، هذه بدعة. إذا بدأت المقايضة هكذا، ستشمل كل شيء". وأفاد بأنّ "بعد وقت قصير، سيحل محل حاكم البنك المركزي نائبه الشيعي، كما حل مسيحي في الأمن العام. بهذا نحدث خللاً ضخماً ونخربط قواعد الطائف، أو ربما نتبنى نظرية صائب سلام بمداورة وظائف الفئة الأولى. إذا كان كذلك لا مانع لديّ".

وعمّا إذا كان الوضع الاقتصادي اليوم هو نتاج سياسات الحكومات المتعاقبة، أم نتاج سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أم بسبب حصار دولي، أم لكل هذه الأمور مجتمعة، أكّد انّه "ليس هناك حصار دولي. هذا نتاج رهان خاطئ على الاقتصاد الريعي، اقتصاد الخدمات والمصارف والسياحة، والتخلي عن الزراعة والصناعة. تراكم الدين إلى أن وصلنا إلى الأفق المسدود".

وردّا على سؤال "أليس رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري من بدأ ذلك؟"، أجاب: "صحيح، لكن مرحلة رفيق الحريري كانت مختلفة. كان قادراً على تغطية هذه النواقص بعلاقاته الدولية والعربية، وإنقاذ الخزينة على طريقته بالمساعدات العربية والخليجية". وشدّد على أنّ "اليوم، في ظل التدهور الحالي، على مطبعة مصرف لبنان أن تكفّ عن طبع الليرات لوقف التضخم المخيف، وعلى المصارف تسديد ديونها لصغار المودعين".

وعن كيفيّة تعامله مع الأزمة في مناطق الجبل، كشف "أنّنا نحاول قدر المستطاع وضمن الإمكانيات. وقد نجحنا في ظل جائحة "كورونا" في دعم الجبل من سبلين إلى راشيا وحاصبيا مروراً بعاليه، وكلّفنا الأمر كثيراً، لكن موضوع الانهيار مكلف أكثر ويحتاج إلى معادلة مختلفة".

وعن زيارته الأخيرة للكويت، أوضح "أنّني زرت الكويت لحضور حفل بدعوة من مركز سرطان الأطفال (سان جود)، لكنها كانت فرصة لتجديد العلاقة مع الكويت. لكن لا أعتقد أن دول الخليج ستعود إلى ما كانت عليه في الماضي، بإعطاء المال من دون شروط. بالنسبة للبنان، وهناك اليوم دفتر شروط وضعه صندوق النقد الدولي لم يُنفّذ منه شيء حتى الآن".

واعتبر أنّ من يعطّل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، هو "لوبي بعض السياسيين ولوبي المصارف القوي، ولذلك نرى رمي المسؤوليات بين البنك المركزي وبين المصارف. والمصارف نفسها منقسمة بين مؤيد ومعارض لـ"الكابيتال كونترول"، ناهيك عن أن خطة التعافي التي قدّمها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شديدة الغموض، وترضي كل الناس من دون أن تقدم شيئاً. كبار مستشاري ميقاتي رموها على مجلس النواب على قاعدة "دبّروا حالكم"، ونُسيت في المجلس". ونوّه إلى أنّه "يُقال إن الخطأ الاستراتيجي الكبير بدأ بقرار حكومة حسان دياب وقف تسديد الديون. دياب أيضاً كان محاطاً بمستشارين ذوي طابع يساري من الحاقدين على النظام".

وأعرب عن أسفه أنّ "أحد كبار مستشاري ميقاتي مع أحد كبار الاقتصاديين، "ماشيين" اليوم في ما يسمى الفيدرالية. الأنظمة الفيدرالية تقوم في الدول المركزية القوية مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والبرازيل وغيرها. كيف تقوم الفيدرالية في دولة طائفية؟ يتحدثون عن الفروقات الثقافية. في عام 1975، خرجت الجبهة اللبنانية بنظرية التعددية الثقافية، ما أدخلنا في جولات متلاحقة من العنف. هل نريد الرجوع إلى الماضي؟ للأسف بعض هؤلاء عرضوا خرائط الفيدرالية في أميركا، ويقولون إن الفدرلة تجعل مرجعية كل طائفة في أي منطقة تعود إلى المركز".

وتابع: "مرجعية شيعة جبيل، مثلاً، تعود إلى المركز. ولكن أي مركز؟ مرجعية سنة حاصبيا إلى أي مركز؟ مرجعية مسيحيي الجنوب هل مركزها معراب أم الرابية؟ "ما بتركب". نحن مع اللامركزية الإدارية التي يمكن معها انتخاب مجالس محافظات أو مجالس أقضية. أما اللامركزية المالية الموسعة، فهي دعوة إلى التقسيم". وتساءل: "لماذا لا يأخذون الأمر من ناحية اقتصادية طبقية؟ هناك مناطق أكثر تطوراً من أخرى. لماذا لا نعود إلى وزارة التخطيط والتصميم كما في أيام رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب"؟، وأذكّر أن شعارنا في الحركة الوطنية كان الإنماء المتوازن".

وعن "نعومة كبيرة" أبداها وزير التّربية أمام قطاع التعليم الرسمي، بسكوته عن دولرة الأقساط مثلاً في مقابل تشدده مع مطالب أساتذة الرسمي، قال: "أوافق على ذلك. ربما الوزير غير معتاد على القطاع العام ومطالبه، ونحن حاولنا مساعدته ولا نزال. كان من الضروري الوقوف الصريح إلى جانب القطاع العام". وأفاد بأنّ "منذ أيام الراحل كمال جنبلاط، أساس القطاع التربوي بالنسبة إلينا هو القطاع العام وليس القطاع الخاص. كان يمكن تلبية مطالب القطاع العام بمبلغ مقبول لا يتعدى 25 مليون دولار، بدل 100 مليون دولار للكهرباء التي تبدو كبئر بلا قرار".

وعن التّباين بينه وبين نجله رئيس "اللقاء الديمقراطي" النّائب تيمور جنبلاط، شرح أنّه "ليس تبايناً، بل اختلاف في وجهات النظر. أنا تقليدي بعض الشيء. من الآن وصاعداً أعمل على الانسحاب تدريجاً، وهو من يتخذ كل القرارات هذه فرصته"، مبيّنًا أنّه "ربما تكون لدى تميور وجهة نظر مختلفة حول التحالفات السياسية".