لا يزال المسار الانحداري مسيطرًا بقوّة على الواقع اللّبناني، مع تجاوز سعر صرف الدولار أمس عتبة الـ120 ألف ليرة، وصفيحة البنزين فوق المليوني ليرة وربطة الخبز بـ50 ألفًا. إلّا أنّ مصادر مسؤولة رأت في حديث لصحيفة "الجمهوريّة"، أنّ المشهد اللّبناني "لا يبعث على التشاؤم الكلي، ليس بناءً على استفاقة داخلية متوقعة من معطّلي الحياة في لبنان تغلّب ارادة التوافق، والتي لو أنها غُلِّبت لكنّا دفعنا ثمناً اقل بكثير من الاثمان الباهظة التي ندفعها حالياً في امننا السياسي والاجتماعي، بل بناء على ما قد تحمله رياح المنطقة في اتجاه هذا البلد، ربطاً بمسار الانفراجات المتسارعة على اكثر من ساحة فيها، التي لا بد أن تلفح لبنان في المدى المنظور".

وإذ لفتت إلى "أنها لا تملك اي معطيات ملموسة تؤشر الى ذلك"، أكدت في الوقت نفسه أنّ "لبنان ليس في صحراء معزولة عن محيطه، فكما سبق ولفحته رياح التوترات على مدى سنوات خَلت، سواء تداعيات الحرب اليمنية عليه، والكل يذكر مستوى التوتر الذي واكبَ الخطاب السياسي سواء داخل لبنان او خارجه ربطاً بتلك الحرب، او تداعيات الحرب في سوريا، وما رافقها منذ اندلاعها في العام 2011، من توترات شديدة القسوة أخذت اشكالاً وألواناً متعددة على المستوى اللبناني، فكذلك ستلفحه حتماً ارتدادات إيجابيات المنطقة؛ والمسألة مسألة وقت لا يبدو انه طويل".

وركّزت المصادر على أنّ "بمعزل عن الصراخ السياسي الدائر من أكثر من مكان واتجاه داخلي، وما يرافق ذلك من تعلية للسقوف من هنا وهناك، فقد كان في لحظة تغطية لمنطق المكابرة لمجرّد المكابرة، ولمنطق التمترس فوق اشجار الشروط والمواصفات المتناقضة، وللمنطق الصدامي العاجز عن صياغة حلول، او الرافض لأي فرصة للتلاقي الداخلي على بت الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية متوافَق عليه، الا انه في موازاة الاقليمية التي طرأت، يبدو وكأنه صراخ المربك المنتظر لما سيتقرر بالنسبة الى لبنان بين الدول المعنية المؤثرة في الملف اللبناني، حيث أنّ هذا القرار سيتّصِف بصفة الالزام لكل اللاعبين السياسيين على الساحة اللبنانية". وذكرت أنّ "القاصي والداني بات مسلماً ان فرص الحلول المعدومة داخلياً، وخصوصا للملف الرئاسي، لم يعد ثمّة سبيل اليها من خلال ارادة خارجية تفرض هذا الحل".

باريس والرياض

كشفت معلومات موثوقة لـ"الجمهورية" من مصادر دبلوماسية في باريس، تعليقًا على الحراك الفرنسي السعودي في اتجاه لبنان، وآخره الاجتماع الثنائي في القصر الرئاسي الفرنسي يوم الجمعة الماضي، أنّ "جولة مشاورات جديدة قد تعقد بين الجانبين الفرنسي والسعودي، وليس بالضرورة ان تكون في باريس".

وعما اذا كان الاجتماع بين الجانبين الفرنسي والسعودي قد انتهى الى الفشل، أعربت المصادر عن استغرابها "الحديث عن فشل"، معتبرة ذلك "حكماً متسرعاً على هذا الاجتماع، فجوهر الاجتماع هو مساعدة لبنان على تخطي أزمته، وتمكين اللبنانيين من إتمام الاستحقاقات الدستورية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والجانبان الفرنسي والسعودي يدركان الحاجة الماسّة للبنان بانتظام وضعه السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية، والى نهضة اقتصادية مع تشكيل حكومة تباشر في الاصلاحات".

وأوضحت أنّهما "يُقاربان الصيَغ التي يمكن ان يتوافق حولها اللبنانيون لتحقيق هذا الهدف، والنقاش مستمر، وامر طبيعي جداً ان تكون لكل جانب وجهة نظره، وهو الامر الذي يحسمه النقاش ويبني حولها تقاطعات عليها، بما يحقق الغاية المرجوّة بمساعدة اللبنانيين".

وعما اذا كان الجانبان الفرنسي والسعودي قد اختلفا في النظرة الى بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية، بيّنت المصادر أنّ "الملف الرئاسي في لبنان يُقارب من كل جوانبه، وكما أشرنا يُقارب من خلفية المساعدة على انتخاب رئيس لبنان في اسرع وقت، الّا ان الاساس في هذا النقاش هو انّ فرنسا وكذلك السعودية ملتزمتان بمساعدة اللبنانيين، وتؤكدان على ما سبق تأكيده في اجتماع الدول الخمس في شباط الماضي بأنّ احداً لن ينوب عن اللبنانيين في اختياراتهم".

حراك السفيرين

إلى ذلك، أشارت مصادر سياسية مسؤولة لـ"الجمهورية"، إلى "أنها لم تلمس اشارات ايجابية مرتبطة باجتماع باريس، الا انها في الوقت نفسه لا تستطيع الركون الى الاقاويل السلبية التي تلته"، مضيفة: "لم نقف بعد على النتائج الحقيقية التي انتهى اليها الاجتماع الفرنسي السعودي في باريس، وليس مستبعداً ان نشهد حراكاً في هذا الاتجاه للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي كان حاضراً في اجتماع باريس، وكذلك السفيرة الفرنسية آن غريو، وفي ضوء ذلك يتبيّن الخيط الايجابي من الخيط السلبي؛ وساعتئذ نبني على هذا الخيط او ذاك".

فرنجية خيار نهائي

أكّدت مصادر ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله"، لـ"الجمهورية"، "التزامهما النهائي بدعم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية"، كاشفةً أنّ "ثمة ماكينة مدفوع لها، حرّكت في الآونة الاخيرة عبر بعض الشاشات والمنصات الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، للتشويش على موقفنا من دعم فرنجية، واختلاق فرضيات سخيفة بإمكان تخلّي الثنائي الوطني عن فرنجية لمصلحة خيار آخر".

ولفتت إلى "أنّنا لم نرد لأننا لسنا في حاجة الى الرد، ذلك انّ فرنجية خيارنا النهائي، وقناعتنا به نهائية، ولا يوجد لدينا ما يسمّونه "plan b" او خيار ثان او ثالث غيره، فخيارنا الاول والثاني والثالث حتى آخر العد اسمه سليمان فرنجية. وقلنا كلمتنا بدعمه، والكرة في ملعب الآخرين، الذين بَدل المضي في تعطيل الرئاسة والتلهي بفبركات وتشويشات، فليرشّحوا من يرونه مناسباً لهم، ولينزلوا الى المجلس وننتخب الرئيس".

وأعلنت المصادر "أنّنا كما سبق وأكّدنا اننا مع أيّ حراك داخلي على ايّ مستوى يؤدّي الى توافق على رئيس، او على الاقل التوافق على إتمام العملية الانتخابية في جو تنافسي صحّي سليم، لأننا نعتبر انّ بقاء الحال على ما هو عليه سيصل بنا الى تعقيدات اكبر واصعب ومخاطر كبيرة تعمق مأزق الازمة اكثر، وتفاقم من معاناة اللبنانيين الذي بلغت حدا خطيرا جدا مع الارتفاع الجنوني للدولار في الآونة الاخيرة".

رئيس يمدّد الأزمة

في المقابل، أبلغت مصادر معارضة إلى "الجمهورية"، قولها إنّ "حزب الله وحلفاءه يخيّرون اللبنانيين بين أمرين، امّا استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، وامّا انتخاب الرئيس الذي يختارونه، لإبقاء لبنان في دائرة العزلة، وفي الفلك الايراني وعلى خط المواجهة مع كل العالم".

وشدّدت على رفضها "لهذا المنحى الانقلابي الذي يقوده الحزب على ارادة الشعب اللبناني في التغيير، وانتخاب رئيس للجمهورية سيادي وتغييري يحفظ هوية لبنان، يلبّي طموحاته بوطن سليم مُعافى"، مركّزةً على "أنّنا سنواجه بكل الوسائل القانونية هذا الانقلاب، الهادف الى فرض رئيس للجمهورية يمدّد الازمة ست سنوات جديدة، ويخضع لبنان لمحور الممانعة المَمجوجة التي تسببت بهذا الافلاس والخراب الذي يصيب لبنان. وبالتالي، لن نكون جزءاً من عملية إتمام النصاب لأي جلسة نيابية يُدعى إليها لانتخابه".