منذ أشهر طويلة، تحول سعر صرف ​الدولار​ في ​السوق السوداء​ إلى الحديث اليومي لجميع اللبنانيين، الذين تحولوا بمعظمهم إلى صيارفة وخبراء ماليين، يبحثون من جهة عن كيفية تنظيم أمورهم كي لا يتعرضوا إلى خسائر ناتجة عن تقلبات سعر الصرف، ويتناقشون في الأسباب والنتائج المترتبة على ذلك من جهة ثانية، بينما يذهب بعضهم للحديث عن حلول من الممكن أن تتطبق لمعالجة الإنهيار المتسارع.

في الأيام الماضية، بات هذا الإنهيار أكبر من قدرة الجميع على التصوّر، حيث أصبح السعر يرتفع خلال ساعة واحدة بحدود 7 آلاف ليرة، وبالتالي لم يعد من الممكن مجاراته، فهو بين السؤال عن قيمة الدولار والحصول على الجواب يتغيّر أكثر من مرة، ومعه تتبدّل ​الأسعار​ التي لا يتأخر التجار في رفعها، بحجّة الحفاظ على رأس المال، في حين يعجز المواطن عن وضع السّياسات أو الميزانيات القادرة على حمايته من هذا الواقع، والتي في غالب الأحيان تقتصر على العيش اليومي من دون التفكير في المستقبل أو في التعليم أو في الإستشفاء.

في الجانب الآخر، أيّ في مقلب القوى السّياسية والمسؤولين، تبدو الصورة مختلفة كلياً، ليس هناك، على الأرجح، من يتأثّر بالتبدّل الحاصل في سعر الصرف أو بالتداعيات الناتجة عن ذلك، وهو ما يتأكد من خلال طريقة تعامل كل فريق مع ​الإستحقاق الرئاسي​ تحديداً، الذي يتّفق الجميع على أنّه من المفترض أن يكون المدخل الأساسي لمعالجة الأوضاع الراهنة، على قاعدة أنه بعد إنتخاب الرئيس الجديد يجب تشكيل حكومة جديدة تتولى وضع خطط "التصدّي" اللازمة.

بعيداً عن هذه المعادلة، التي قد تكون بعيدة عن الواقع نسبياً، السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بماذا يفعل هؤلاء (الساسة) للوصول إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي؟ حيث هناك فريقاً رمى بإسم مرشحه، رغم إداركه المسبق أن فرصه شبه معدومة، منتظراً أن يقدم الفريق الآخر على تنازلات كي يكشف عمّا لديه من خطط بديلة، بينما في المقابل تبنى الفريق الآخر مرشّحاً، لم يعلن ترشيحه أو يطرح برنامجه حتى الآن، مراهناً على تحولات دوليّة وإقليميّة قد تصبّ في صالحه، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة التي سجلت، بالرغم من أنّ هذا الأمر قد يتأخر كثيراً.

بناء عليه، دخل الجميع في مرحلة الإنتظار التي يرفضون فيها المبادرة، فأبواب الحوار الداخلي مقفلة بشكل كامل، نظراً إلى أنّ كل فريق يعتبر أن الوقت لا يزال متاحاً لرفع سقف مطالبه أو الرهان على تحقيق ما يطمح إليه، بينما على المستوى الخارجي لا يسمع اللبنانيون إلا مواقف مسؤولين في الدول المؤثّرة، تدعو "القادة" المحليين إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي، في مؤشّر إلى أنّ الملف اللبناني ليس على قائمة الأولويات.

في المحصّلة، تعب اللبنانيون من مرحلة الإنتظار، بعد أن كانوا قد دخلوا في دوّامة مدمّرة منذ ما يقارب الثلاث السنوات، تركت تداعيات كبيرة على كافة المستويات الإقتصاديّة والإجتماعيّة، لكن من يفترض بهم أن يكونوا مسؤولين لم ولن يتعبوا على الأرجح، فهمومهم مختلفة مرتبطة بمصالحهم فقط دون أيّ شيء آخر، أما دولارهم فهو لا يزال عند معدل 1500 ليرة أو ربما يشهد إنخفاضات متسارعة بين الحين والآخر.