ليس صحيحاً أن الجمود يكتنف مساعي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأدقّ القول إن هذه المساعي لا تزال تصطدم بعوائق جدية تمنع أياً من الفريقين المتنازعَين من ضمان وصول من يرشحون. وإذا كان الفيتو سلاحاً رئيسياً لدى خصوم ثنائي أمل وحزب الله، فإن الفشل، في المقابل، هو حصيلة سعي هؤلاء إلى مرشح واحد في وجه مرشح الثنائي.

وبحسب صحيفة الاخبار، خارجياً، لا تزال المساعي الفرنسية مع السعودية تصطدم بجدار من السلبية، خصوصاً لجهة تسويق فكرة المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة. لكن الفرنسيين، لمسوا من الجانب السعودي هذه المرة، لا حاسمة لكل من نجيب ميقاتي ونواف سلام، وأن الموقف الرافض لفرنجية ليس حاسماً بالقدر نفسه. ويميل المطّلعون على بعض تفاصيل الاجتماعات إلى أن السعودية التي لم تفتح أي باب للتواصل مع رئيس تيار المردة، غير مضطرة الآن لإعلان موقف نهائي منه. فيما ليس لدى أصدقائها في لبنان موقف موحد بعد. إذ سمع بعض النواب السنة نصيحة سعودية بعدم قطع التواصل مع الرجل، فيما قيل لمجموعة أخرى من هؤلاء بألا يبحثوا في فكرة ترشيحه.

ويقول مسؤول التقى معنيين بالملف اللبناني في العاصمة الفرنسية قبل ثلاثة أسابيع، إنه سمع منهم أن تسويق فرنجية أمر صعب للغاية. لكنه يتحدث عن تبدل مفاجئ في الموقف الفرنسي الذي يدعم فكرة المقايضة بين فرنجية وسلام. وبحسب المسؤول نفسه، فإن الأمر قد يكون متصلاً بمستجدات لدى الجانب الأميركي الذي يتحكم بالحركة الفرنسية. إذ إن الأميركيين أبلغوا جهات لبنانية عدة بأن واشنطن تنتظر حصول انتخابات رئاسية في أسرع وقت، وأنها رغم تفضيلها مرشحين على آخرين، إلا أنها ملتزمة التعامل مع أي رئيس منتخب. علماً أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أجابت ثلاثة مسؤولين لبنانيين قبل أسابيع، لدى سؤالها عن سليمان فرنجية، بالعبارة نفسها: "إذا تم انتخابه سنتعامل معه كرئيس شرعي للجمهورية اللبنانية".

وبحسب المسؤول نفسه، فإن الاتفاق الإيراني - السعودي استفز الأميركيين والأوروبيين، وربما يحمل التبدل في الموقف من فرنجية في طياته رسالة إلى السعودية، باعتبار أن الغربيين يعتقدون أنه في حال ساعدت إيران السعودية في إقفال ملف الحرب في اليمن، فهي مستعدة لدفع الثمن في لبنان وسوريا وأماكن أخرى إن اقتضى الأمر.

إلا أن كل هذه المداولات لا تعني شيئاً جازماً، بل تعكس صورة اللقاءات والاجتماعات الجارية بين عواصم خارجية. وبحسب معنيين فإن الاتصالات الداخلية تأخذ في الاعتبار مواقف القوى الخارجية الأساسية. كما أن في لبنان قوى كثيرة تعتقد أنه يجب الوقوف على خاطر السعودية في الملف الرئاسي، وأن أي اتفاق مع الأميركيين والفرنسيين من دون رضا السعودية قد يبقي الوضع في لبنان أسير المزاحمات القائمة. وهو موقف يتردد بقوة لدى الفريق الداعم لفرنجية من زاوية أن توفير الأصوات الكافية لإيصاله إلى قصر بعبدا ليس أمراً مستحيلاً مهما كانت الصعوبات. لكن المهم، هو أن يصل مع توافق يسمح بتخفيف الضغوط الاقتصادية عن لبنان، وإلا فإن أي رئيس ينتخب من دون غطاء خارجي، سعودي على وجه الخصوص، سيكون امتداداً للسنوات الأخيرة من عهد الرئيس ميشال عون.

وسط هذه الأجواء، كان البحث الداخلي ينطلق من فكرة أن تفاهماً يمكن توفيره بين القوى الممثلة نيابياً للمسلمين، . وأن مواقف حزب الله وحركة أمل الداعمة لفرنجية قد تجد من يلاقيها في الأوساط السنية التي تتأثر بمزاج تيار المستقبل، وأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قد لا يكون بعيداً في حال توافرت عناصر التسوية. وبالتالي، فإن المقصود بهذا التوصيف القول إن المشكلة موجودة الآن لدى القوى الممثلة نيابياً للمسيحيين. وهي قوى منقسمة على نفسها بصورة غير مسبوقة، حتى في المناخات التي رافقت الفوضى الكبرى في العام 1988، ما استنفر البطريركية المارونية لتولي مهمة قد تكون صعبة. ومع معرفة البطريرك بشارة الراعي بصعوبة الأمر، ونوبة الإحباط التي أصابته جراء رفض القوى البارزة دعوته إلى حوار ثنائي أو ثلاثي أو جماعي في بكركي، إضافة إلى خشيته من تقديم مرشحين لا يؤخذ بهم داخلياً أو خارجياً، فإن الراعي يجد نفسه مضطراً للقيام بدور خاص. وهو وجد الأنسب تكليف راعي أبرشية إنطلياس المطران أنطوان بو نجم التنقل بين مكاتب القيادات المسيحية لاستمزاج الرأي حول كل تفاصيل الملف الرئاسي.

وقد تبين لبو نجم أن النقاشات العامة لن تقود إلى تفاهم سريع. إذ كان الحديث ينتقل سريعاً إلى البحث ليس في المواصفات التي سبق لكل طرف أن تحدث عنها، بل إلى البحث في الأسماء التي تعكس هذه المواصفات، وهو ما جعل الموفد البطريركي يحمل ورقة تسجل الملاحظات، قبل أن تتحول إلى ورقة تضم أسماء مرشحين تفضلهم بكركي أو يطرحهم الآخرون. وانتهى به الأمر إلى لائحة غير قصيرة تشمل كل المرشحين الذين يدورون في فلك القوى المعنية.

وبحسب متابعين، فإن اللائحة المفتوحة أقفلت على 11 اسماً، جرى التداول ببعضهم مرات كثيرة خلال الفترة الماضية، وتضم: قائد الجيش العماد جوزيف عون، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس تيار الاستقلال ميشال معوض، مدير المخابرات السابق العميد جورج خوري، السفير في الفاتيكان النائب السابق فريد الياس الخازن، رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان، وزير الداخلية السابق زياد بارود، وزير المالية السابق جهاد أزعور، النائب نعمة افرام، النائب السابق صلاح حنين ووزير الدولة في أولى حكومات الطائف المسؤول القواتي السابق روجيه ديب.

وإذا كانت مهمة وضع الأسماء في لائحة واحدة ليست بالأمر العسير، فإن محاولة احتساب الأصوات التي تنالها تحتاج إلى جهد كبير. لكن، ولأسباب غير معلومة، كتب المعنيون بالاستطلاع آراء كل القوى بجميع المرشحين، وتمثّلت الخلاصة التي يعتد بها في مقارنة مواقف القوتين الأبرز عند المسيحيين من أسماء هذه اللائحة. ويشير مصدر متابع تسنى له الاطلاع على لائحة الأسماء أن الجوجلة النهائية أظهرت أن رئيسي حزب القوات سمير جعجع والتيار الوطني الحر جبران باسيل توافقا فقط على رفض المرشحين سليمان فرنجية وجورج خوري. لكن التباين كان واضحاً بينهما بالنسبة للأسماء التسعة الباقية. إذ أعلن جعجع تأييده لأربعة أسماء هي: جوزيف عون، ميشال معوض، نعمت افرام وصلاح حنين. بينما أيد باسيل خمسة أسماء هي: إبراهيم كنعان، فريد الخازن، جهاد أزعور، زياد بارود وروجيه ديب.

وفي انتظار ما سوف تؤول إليه الخلوة الروحية التي دعا الراعي النواب المسيحيين إليها، فإن المناخات المحبطة تسكن بكركي، لكنها تعتبر أنه لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري، وسط تعاظم خشيتها من تفاقم الخلاف المسيحي – المسيحي حول الملف الرئاسي والخشية من توسعه إلى ملفات أخرى.