منذ الجلسة البرلمانيّة الماضية لإنتخاب رئيس للجمهورية، سُربت الكثير من المعلومات عن أن قوى الثامن من آذار تبحث في كيفية تأمين الأكثرية اللازمة لإنتخاب مرشحها، رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​، على قاعدة أنّ الرجل لديه 50 صوتاً، وبالتالي من الممكن العمل على تأمين 15 صوتاً إضافياً له، من خلال السعي إلى إقناع بعض الأفرقاء بهذا الخيار.

في المقابل، كانت القوى المعارضة تتحدث، منذ تاريخ إنتهاء ​الإنتخابات النيابية​، عن أن صناديق الإقتراع أفرزت أكثرية نيابية جديدة، لم تستطع أن تترجمها في أي من الإستحقاقات التي تلت، وتتعامل مع ​الإستحقاق الرئاسي​ على قاعدة أن المطلوب الوصول إلى توافق حول الشخصية القادرة على جمع العدد الأكبر من الأصوات.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه في الإستحقاقات الديمقراطية، قد يكون العمل على هذا المسار أمراً طبيعياً، لكن في ​لبنان​ الأمور مختلفة كلياً، فالجميع يدرك أن إنتخاب الرئيس المقبل يتطلب توافقاً بين مجموعة واسعة من القوى، يحظى بدعم جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين، وتصبح معه لعبة الأرقام التي يتم التداول بها بلا قيمة عملية.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه طالما أن هذا التوافق غير متوفر، فإن الحديث عن قرب الحسم هو من باب تمرير الوقت فقط، لا سيما أن ليس هناك من فريق قادر على تأمين الأكثرية اللازمة لإنتخاب مرشحه، في وقت يتطلب تأمين نصاب جلسة الإنتخاب عدداً أكبرَ من الأصوات، لا يمكن توفيره من دون تسوية مسبقة، على إعتبار أن ليس هناك من فريق مستعد لتسهيل وصول مرشح الفريق الآخر، طالما هو يملك حق "الفيتو".

إنطلاقاً من هذا الواقع، كان الجميع يربط الإستحقاق الرئاسي بمجموعة من التحوّلات المنتظرة على المستوى الإقليمي، على قاعدة أن ليس هناك من مدخل آخر لكسر حالة الجمود القائمة، وجاء الإتفاق السعودي الإيراني، برعاية صينية، ليعزز الرهانات القائمة على هذا الصعيد، بالرغم من الأجواء التي توحي بأنّ إنعكاساته على الملفّ المحلّي لن تكون في وقت قريب.

في هذا الإطار، توضح المصادر السياسية المتابعة أنّه قبل هذا الإتفاق كان هناك شبه إجماع، على المستويين الداخلي والخارجي، على أهميّة حضور ​الرياض​ في أيّ تسوية رئاسيّة منتظرة، إنطلاقاً من معادلة أنّ المطلوب أن يكون الإستحقاق الرئاسي البوابة التي تدخل البلاد في مرحلة جديدة، وتؤكد أنه بعد الإتفاق بات هذا الحضور أمراً محسوماً، على إعتبار أنه من غير المنطقي أن يترافق مع خيارات تصعيدية في الساحة اللبنانية.

وتدعو هذه المصادر، في هذا المجال، إلى التوقف عند ما كان قد أدلى به رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، أول من أمس، حيث شدد على أنه لا بد من التوافق مع ​السعودية​ حول الخيار الرئاسي، الأمر الذي ترى أنه يعني أن التسوية لن تكون ممكنة قبل الوصول إلى هذا التوافق، الذي لم تظهر معالمه حتى الآن، في ظل المعلومات عن أن ما يحصل بين الرياض وطهران لم يصل إلى مرحلة طرح أي من الملفات العالقة بشكل جدي.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أن أجواء التهدئة الإقليمية لا بد أن تكون مساعدة على المستوى اللبناني، لكن الحسم، على ما يبدو، لن يكون في وقت قريب، وبالتالي الملف الرئاسي اليوم في "الثلاجة"، بإنتظار توفر المعادلة التي تؤمن الحضور السعودي في التسوية من جهة، وتحظى بموافقة "​حزب الله​" من جهة ثانية.