لبنانُ التَحَدِّيَ أن تَكونَهُ. أمرٌ صَعبٌ، لَكِنَّهُ غَيرُ مُستَحيلٍ.

إن كُنتَهُ، جَعَلتَ لا لبنانَ جَلِيَّاً في العَقلِ فَحَسبَ، بَل جَعَلتَ العَقلَ بابَ فَهمِ وجودِهِ. في هَذا الحَماسِ تَعبيرٌ عَنِ البُعدِ التاريخيِّ لِلبنانَ، يَظهَرُ فيهِ اللهُ جَلِيَّاً في مَكنوناتِهِ وَتَجَلِّياتِهِ. قُل: هوَ بُعدٌ تَقَدُّمِيٌّ، بِمُقتَضى أنَّ فيهِ تَميِّيزاً بَينَ تَجَلِّياتِ اللهِ التاريخِيَّةِ في وَطَنٍ، إذ في لبنانَ تَحقيقٌ لِلعُنصُرِ الإلَهيِّ الصائِرِ الى نَفسِهِ، والمِعنى الأعلى للهِ خالِقِ التاريخِوَكُلِّ مِعنىً، إذ مِن لبنانَ المِعنى مَصنوعٌ وَصانِعٌ بإرادَةِ اللهِ وَكَدِّهِ، وَبِجُهدِ الإنسانِ وإرادَتِهِ.

بِذَلِكَ، لا إضاعَةَ لِطَريقِ الإيمانِ مِن خِلالِ مواجَهَةٍ بَينَ حُرِيَّةِ اللهِ وَحُرِيَّةِ الإنسانِ، كما لَو كانَتا في تَضارُبٍ. فَفي جَوهَرِيَّةِ هَذا الإيمانِ المُتبادَلِ بَينَ اللهِ والإنسانِ، كَم مِن مُبادَراتٍتَسمو بَينَ المِعنى الأعلى (الحَدِّ الأقصى) والتَوقِ الباحِثِ عَن مِعنىً (الحَدِّ الأدنى).

في هَذا الطابَعِ الحِواريِّ، في قَلبِ لبنانَ، بَينَ الحُرِيَّةِ والحُبِّ نَفاذٌ وَلا أبهى الى حِكمَةِحَقيقَةِ لبنانَ التَحَدِّيَ. أيُّ تَحَدٍّ؟ ذَلِكَ الَذي يُنقِذُ مِن مُحاوَلاتِ اللامَنطِقِ الَتي لا تَؤولُإلَّا الى فُقدانِ المَنطِقِ، لِيَكونَ إنتِصاراً عَلى الإِسرافِ في إستِخدامِ الشَخصانِيَّاتِ لِتَبريرِ الغِيِّ السِياسو-إقصائِيِّ المُتَوَرِّطِ في تَنصيبِ الذاتِ الزُوَيعَمِيَّةِ مَرجَعِيَّةً مُتأبِّدَةً.

في هَذِهِ النَواحِيَ، كانَت مُصيبَةُ لبنانَ بالمُنَصِّبينَ ذَواتَهُمُ آلِهَةً فارِضَةً نَفسَها عَلى الوجودِ والجَوهَرِ في آنٍ، تَتَحَكَّمُ بِمَواقيتَ الزَمانِ وَتَتَمَدَّدُ في إستِنسابِيَّاتِ المَكانِ.

الآنَ تُدرِكُ، إن تَمَعَّنتَ، أنَّ لبنانَ التَحَدِّيَ عَلاقَةُ تَمَيُّزٍ وتَبادُلٍ، في اليَقينِ كَما في المَدلولاتِ. بادِر إذ ذاكَ، إلى إضافَةِ الجدَّةِإلَيها. ها أنتَ أمامَ ضَمانَةٍ، فيها لبنانُ التَحَدِّيَ لا يَبقى لوغوساً (كَلِمَةَالعَقلِ) فَحَسبَ، بَل يَتَجَوهَرُعُبوراً لِلوغوسِ مِنَ العَرَضِ الى الجَوهَرِ. وَجَوهَرُ لبنانَ هوَ لبنانُ ذاتُهُ، لا في ذاتِهِ، لأَنَّ لبنانَ ذاتُهُحَقيقَةُ وِحدَةِ كَيانِهِ لا بالنِسبَةِ الى نَفسِهِ، بَل الى الآخَرينَ. فبالنِسبَةِ الى نَفسِهِ هوَ هوَ لَيسَ إلَّا. هوَ لَيسَ لبنانَ، الذي مِنَ اللهِ وَفيهِ، بِما فَوقَ كُلِّ ما يُقاسُ وَلا يُقاسُ، وَغَيرُ القابِلِ لِلدَمجِ بأَعراضٍ، إلَّا مِن هَذِهِ النواةِ لِعَلاقَةٍ بَينَكَ وَبَينَهُ.

زُوَيعيمِيُّوهُ المُمتَلئِونَ دَنَساً، والمُبتَغونَ بِهِ مِن خارِجٍ قَضاءً مَحتوماً، يُدرِكونَ هَذِهِ الثَورَةِ الَتي فيهِ. أَيُّها؟ هَذِهِ: ثَورَةُ الجَوهَرِ والعَلاقَةِ. لِذَلِكَ، تَراهُم يَتَّحِدونَ في تَواطُؤِ دَنَسٍ لا حَدودَ لَهُ، مُتَبارينَ في الإيغالِ بِتَحطيمِ لبنانَ التَحَدِّيَ في ما هوَ.

البُنوَّةُ

أتَستَسلِمُ؟ أتَهرُبُ؟ أتَنهَزِمُ؟.

لا! أنتَ لَستَ مَحكوماً بالعَجزِ التامِّ. فَمِن حَيثُ كَونُكَ لُبنانِيٌّ، أنتَ إبنٌ: تَصَرُّفُكَ ناجِمٌ عَن لُبنانِكَ الَذي مَنَحَكَ الوجودَ. حُكماً، أنتَ في صُلبِ ما يَتَعَدّى ذاتَكَ. سارِع إلى إستِحقاقِ جَوهَرِهِ... الَذي هوَ جَوهَرُكَ: كُن لَبنانَكَ التَحَدِّيَ. تُصبِحُ لا مُجَرَّدَ مَنسوبٍ إلَيهِ بَل إستِدعاءً لِقيامِكَ فيهِ وإستِمرارِكَ واحِداً وَإيَّاهُ، وَمَعَهُ.

بِموازاةِ هَذِهِ البُنوَّةِ، أنتَ تَقريريٌّ: بِدونِ لبنانَ لا تَستَطيعُ أن تَكونَ. مَعَهُ، وإيَّاهُ، أنتَمُطابِقٌ لَهُ، مُتَساوٍ فيهِ. أنتَ مِنَ اللهِ وإلَيهِ. وَهَذا ما تُريدُ البُنُوَّةُأن تَعنيهِ كَينونَةٌ واحِدَةٌ في إتِّجاهَينِ يَنتَصِرانِ عَلى كُلِّ دَنِسٍ: آتٍ مِن... وَمُعَدٌّ لِ.

لبنانُ-الرِسالَةُ هوَ نَفسُهُ. كُنها. تَكُن هَذا الإقرارَ الَذي يَجلو الغَوصَ الأكثَرَ إغراباً.

تَحَدِّيَ لبنانَ أن تَبقاهُ، مَدى الأزمانِ. ما أصلَبَ هَذِهِ الإستِحالَةِ... إن كانَتِ!.