سيبقى قرار رئيس حكومة تصريف الاعمال ​نجيب ميقاتي​ تأجيل تقديم الساعة عام 2023 لما بعد نهاية شهر رمضان محفوراً في ذاكرة اللبنانيين طويلاً، فهذه الساعة أعادت لبنان سنوات الى الوراء.

لم يكن ليتخيل نجيب ميقاتي أن قرار تأجيل تقديم الساعة سيتسبب بكل ما تسبب به من هيجان وغليان طائفي في البلد، وبحسب مصادر محيطة به فإن ردة الفعل على القرار تخطّت كل عقل ومنطق، وادت الى ما أدت إليه من تشرذم.

طبعاً لا علاقة لكل ما جرى بكل ما قيل، فلا المسألة متعلقة بما يُسمى توقيت عالمي، وهي عبارة غير موجودة أصلاً ولا أساس لها، ولا متعلقة بموقع لبنان في النظام الإقتصادي العالمي، ولا تؤثر على معامل ومصانع لبنان، بل هي تتعلق بشعور فئة من اللبنانيين بالإستبعاد من السلطة ومركز القرار، وهذا ما يحتاج الى معالجة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

خطير جداً الوضع الذي وصل اليه الخطاب السياسي في لبنان على أعتاب كل الإيجابيات التي تحصل في الإقليم، فهو عاد الى زمن الحرب اللبنانية، وصولاً لقرار عصيان أعلى مرجعية مسيحيّة في البلد لقرار حكومي يتعلق بساعة، فهل هذا البلد حاضر لملاقاة الاجواء التسووية في المنطقة؟.

كان يمكن التراجع عن القرار في اليوم التالي لاتخاذه وقبل انفجار المسألة، فهنا ليست من ينتصر ومن يتراجع، فالوطن كله يخسر، ولو أن بعض المواطنين باتوا يُثيرون الدهشة فيعتبرون أن قرار الحكومة يُعيد لبنان الى "العصر الحجري"، وكأنهم غير مدركين لواقعهم الحالي، وفقرهم وحياتهم الصعبة.

في السياسة يرى البعض أن هواجس المسيحيين أصبحت على الطاولة، ومن يُريد التسوية التي تُعيد انطلاق الحياة في البلد عليه أن يتعامل مع هذه الهواجس بجدية مطلقة، فأي تسوية لا تأخذ بعين الاعتبار هواجس المسيحيين وقلقهم على الوجود، هي تسوية تولد ميتة، فالجميع يعلم أن التسوية لكي تنجح يجب ان تحفظ كل اللبنانيين، بمختلف مكوناتهم.

على الصعيد الإقليمي تسير التسويات على قدم وساق، وكما قلنا سابقاً فإن شهر رمضان ليس للبنان الأولوية فيه، بل ل​إيران​ و​السعودية​، لليمن وسوريا، وكل الزيارات الخارجية الى بيروت تأتي بنفس الحديث: تحاوروا واتفقوا على انتخاب رئيس وشكلوا حكومة تقوم بالإصلاحات، وهذا ما حملته مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف في زيارتها الى لبنان، حيث تُشير مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة" الى أن ليف خيبت آمال المعارضين الذين يعولون على الأميركيين في الملف الرئاسي، ف​الإدارة الأميركية​ لم تأت بأي جديد، وهي مستعدة للتعامل مع أيّ رئيس للجمهورية، لكن جديدها هو وضع مهل زمنية لم تُحدّد بالضبط، لكنها ألمحت إليها على اعتبار أن الوقت ضيق أمام الحلول وإلا الاستعداد للأسوأ.

تعمّدت ليف، التي تملك نظرة سوداوية للغاية للواقع اللبناني بحال استمر الفراغ، خلوّ جدول أعمال زيارتها الى بيروت من أي لقاء مع أي طرف مسيحي لأنها لا تُريد إظهار انحياز أميركا لأي منهم، فهي جاءت لتؤكد على المشروع الأميركي لا الشخص، وهذا المشروع لا يقوم على دعم مرشّح، كما تفعل ​باريس​، لذلك كانت الزيارة أشبه برسالة تحذير، لا تحمل أي بشارة حلّ.