بعد الأزمة التي تفجرت على خلفية التوقيت، نجح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في إيجاد المخرج المناسب، عبر رمي الكرة في ملعب مجلس الوزراء، لكن من الناحية العملية هناك تداعيات لا يمكن تجاوزها بسهولة في المدى القريب، وهي ستكون حاضرة في توازنات الإستحقاق الرئاسي، الذي لا يزال غارقاً بين إستعصاء داخلي وعدم بروز أي توجه خارجي حاسم، بالرغم من التحولات التي كانت قد شهدتها الساحة الإقليمية.
في هذا السياق، هناك من يعتبر أن هذه الأزمة عبرت، بشكل أو بآخر، عن رفض مسيحي لطريقة إدارة البلد في مرحلة الشغور الرئاسي، حيث تم التصويب على الثنائية التي يمثلها كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال، من منطلق أن الرجلين تصرفا بطريقة توحي بأنهما قادران على أخذ القرارات اللازمة، وهو ما كان "مستفزاً" من خلال طريقة نقاش فكرة تمديد العمل بالتوقيت الشتوي، أمام وسائل الإعلام، مع العلم أن هذا الرفض تم التعبير عنه قبل ذلك، في أكثر من مناسبة وأكثر من طريقة، سواء في المواقف من الجلسات التشريعية التي لم تنعقد أو من جلسات مجلس الوزراء المتكررة.
من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، هذا الرفض لا يمكن أن ينفصل عن القلق من التحولات القائمة على المستوى الإقليمي، خصوصاً بعد الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، حيث هناك من عبر صراحة عن خوف من تداعيات تقود إلى تكرار ما حصل بعد إتفاق الطائف، الذي دفع المسيحيون ثمنه على مستوى تمثيلهم في السلطة التنفيذية، وهو ما يمكن ربطه أيضاً بذهاب الثنائي الشيعي، قبل أيام قليلة من إعلان هذا الإتفاق، عن تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بالرغم من الموقف الرافض له من قبل الكتلتين النيابيتين المسيحيتين الأكبر.
بالنسبة لهذه المصادر، هذا الرفض لم يعد من الممكن تجاوزه في توزانات الإستحقاق الرئاسي، على إعتبار أن من قد يفكر في هذا الأمر يتجاهل أنه من المحتمل أن يقود إلى تداعيات أخطر، وبالتالي أزمة التوقيت قد تكون تحولاً مفصلياً لا يمكن التقليل من أهميته، على قاعدة أن الأفرقاء المسيحيين لديهم الفرصة لإستعادة زمام المبادرة، وهو ما عبر عنه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، من خلال قوله: "نحن الموارنة لطالما اتفقنا سلباً على الرفض من دون أن نتفق إيجاباً، حان الوقت لنقل من نريد وعلى ماذا نتفق".
في هذا الإطار، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أنه طوال الأشهر الماضية، كان الحديث في بعض الأوساط السياسية أن غالبية القوى المحلية تنتظر تسوية قد تأتي من الخارج، على أن يلتحق بها الجميع بعد ذلك، الأمر الذي كان يتجاوز، عن قصد أو غير قصد، أزمة التوازنات الداخلية التي برزت في السنوات الماضية، تحديداً منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، وهو ما يتم رصده بشكل متزايد منذ إنطلاق السباق الرئاسي الحالي، ما يفتح الباب أمام الحديث عن مواصفات جديدة يجب أن تتوفر في الرئيس المقبل، عنوانها الأساسي القدرة على "دوزنة" هذه التوازنات لمنع وصولها إلى مرحلة الإنفجار الشامل.
في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أن ترجمة هذا الأمر، من الناحية العمليّة، من المفترض أن تنطلق من البحث عن شخصية رئاسية قادرة على لعب هذا الدور، بعيداً عن لغة التحدي أو الإستفزاز، الأمر الذي لم يظهر لدى معظم الأسماء التي طُرحت على بساط البحث حتى الآن، في حين أن فرص المرشح الأبرز، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، تعرضت لمجموعة من الضربات، بدءًا من أسلوب الإعلان عن تبني الترشيح وصولاً إلى ما تلى ذلك من تطورات، وهو ما قد يقود إلى تعجيل الحسم في الإستحقاق الرئاسي أو تأجيله لأشهر طويلة.