اشارت صحيفة "الاخبار" الى انه "بعد فشل سياستها في لبنان، تبدو باريس في مراجعة رئاسية ومحاولة الالتحاق ب​سياسة​ الرياض وواشنطن اللتين لا تزالان عند المربع الأول في تشخيص الأزمة وتحديد مواصفات المعركة الرئاسية والرئيس العتيد".

واعتبرت الصحيفة ان "السباق جدياً يبدو بين تصاعد مؤشرات التصعيد الداخلي بكثافة والمحاولات الخارجية لاحتواء التوتر اللبناني، عبر إجراء الانتخابات الرئاسية. لكن السقف الأساسي الذي لا يزال يتحكم بمجريات السعي الخارجي، الدفع «لبنانياً» لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، معطوفاً على ترتيب الأوضاع المالية بما تيسّر من عناصر أساسية من أجل تقطيع وقت التصعيد الدولي، وليست حرب أوكرانيا وحدها التي يشار إليها، بل أيضاً الملف النووي الإيراني والموقف الإسرائيلي منه، في انتظار حلول طويلة الأمد".

ومنذ الاتفاق السعودي - الإيراني، ثمة محاولات لترجمته لبنانياً، عبر إيحاءات وسيناريوهات تتعلق بسبل تطبيقه على الساحة اللبنانية. والاجتهادات في هذا المجال متناقضة، بحسب هوية القوى السياسية سواء المتحالفة مع السعودية أو إيران. في المقابل تتجه وقائع غربية إلى التعامل معه وفق معايير مختلفة تتعلق بدور الصين والعامل النفطي المؤثر في مجال العلاقة مع السعودية، وأهمية موقع اليمن في الاتفاق، والخطوات العملانية المنتظر ترجمتها خلال الشهرين المقبلين، ونظرة إسرائيل، على رغم تخبطها الحالي، إلى إيران النووية ودور السعودية في المنطقة، وهي المتجهة إلى خطوات عملانية في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد. من هنا، تصاعد المنحى الغربي، الأميركي في غالبيته، في قراءة الاتفاق بواقعيته، من دون القفز فوق الدوائر الأميركية المطلعة حكماً على مختلف جوانبه مسبقاً. هذه الواقعية تحتم لبنانياً التعامل مع المداولات الإقليمية على قدر أهميتها للدول المعنية بها.

يحتاج الأمر بالنسبة إلى لبنان كثيراً من التدقيق في المعطيات الأميركية والفرنسية والسعودية، ليس في ما يتعلق بالاتفاق الإقليمي، بمعناه المباشر، بل بالتفسيرات التي تعطى للوجهة الحقيقية لسياسة العواصم الثلاث تجاه لبنان، قبل الاتفاق وبعده، انطلاقاً من الانتخابات الرئاسية.

ورأت الصحيفة انه من الصعب على قوى سياسية لبنانية الاقتناع بأن اللقاء الخماسي في باريس كان نقطة تحول أساسية انعكست أولاً بأول على باريس قبل بيروت. هذا الأمر لم تكن له علاقة بالاتفاق الذي كانت تعد له السعودية بعلم واشنطن، لأن باريس قفزت سريعاً فوق استنتاجات سياسية في بيروت وباريس على السواء أوصلتها إلى حائط مسدود، وانعكست على فريق الإليزيه تخبطاً ظهر تدريجاً في محاولات احتواء سلبيات اللقاء الخماسي وما خرجت به ديبلوماسيتها في بيروت من توقعات مغلوطة أعقبتها توضيحات. من هنا جاء اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليعكس خلاصة مستجدة في سياسة فرنسا مبنية على اقتناع بأخطاء ارتكبت وتجاوزات في فرض إيقاعات ورسم سيناريوهات غير مستندة إلى وقائع عملية، لم تكن السعودية ولا واشنطن موافقتين عليها. وعلى رغم أنها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها باريس إظهار أنها تسير وراء السعودية وسياستها في لبنان، إلا أن الأسابيع الأخيرة، في عز انشغال الإليزيه بمشكلات فرنسا الداخلية الحادة، أظهرت حجم الفشل الذي منيت بها الاستراتيجية الرئاسية في مقاربة ملف الرئاسة اللبنانية، ما حتم مقاربة مختلفة ومحاولة لاحتواء التعثر الفرنسي، والسعي مرة أخرى إلى التقرب من الرياض ومجاراة سياستها في لبنان.

لم يكن الأمر يحتاج إلى زيارة الديبلوماسية الأميركية باربرا ليف إلى لبنان لكشف واقع المسارين المختلفين في رؤية باريس وواشنطن تجاه الأزمة اللبنانية بشقيها الرئاسي والسياسي. فواشنطن، بخلاف باريس، لا تزال عند موقفها الأول وغير الملتبس حيال تشخيص الأزمة ومواصفات الرئيس المقبل. لكن في الوقت نفسه ليس لديها بعد ما يمكن أن تقدمه للقوى "المعارضة" والحليفة التقليدية لها، ولا تستطيع أن تقدم تعهدات ووعوداً لا يمكن لها أن تفي بها في الوقت القريب. وهذه من الأسباب الرئيسية الحالية في تخفيف مظاهر الاصطفاف إلى جانب حلفائها. علماً أن هناك مفارقة يتحدث عنها سياسيون على اطلاع على مواقف أميركية معنية، هي هذا التحول الكبير لدى الدول الكبرى الراعية للقوى السياسية، إذ تظهر باريس راعية للثنائي الشيعي، والسعودية راعية للقوى المسيحية المعارضة في غالبيتها، في غياب الدور السني، فيما تقف واشنطن في منطقة رمادية، تنتظر مزيداً من الوقت لبلورة الاتجاه الحاسم في التعاطي مع لبنان. لكنها في الوقت نفسه، تؤكد انسجامها مع الموقف السعودي في قراءة الوضع اللبناني وسبل معالجته. وهذا الموقف لا يزال على حاله، لم تغيّر فيه الاتفاقات الإقليمية حرفاً واحداً، على رغم أن هناك تمنيات لدى المعارضة وبعض القوى الرئيسية فيها، في أن يسهم الاتفاق في تخفيف حدة الانقسام الرئاسي، الأمر الذي يترجم التقاء بين المعارضين والثنائي حول اسم توافقي يسهل انتخابات الرئاسة. فالأميركيون والسعوديون يحثون على إجراء الانتخابات لبنانياً لأن "الوضع الداخلي لم يعد يحتمل في لبنان مزيداً من التوترات والخشية من انفجار اجتماعي". وتحذير صندوق النقد الدولي واحد من المؤشرات الدولية الأبرز أخيراً. لكن هذه الخشية لم تبدل في تعاطي السعودية مع محاولات فرض إيقاع فرنسي بـ «إيحاء لبناني بحت»، نحو تسوية ومقايضات رئاسية وحكومية. وهذا ما أدركته باريس بعد تأخر أسهم في تعميق الأزمة الداخلية. وكل من له صلة بدوائرها اليوم يتحدث عن متغيرات حديثة في مقاربة الملف الرئاسي والعلاقة مع السعودية، لا سيما بعد فشل اللقاء الخماسي في منحاه الفرنسي. والأمر نفسه ينسحب على واشنطن التي وإن كان لديها مع السعودية مرشحون لهم الأفضلية، إلا أنهما اليوم في مرحلة انكفاء عن التسمية المباشرة، قبل نضوج ظروف المنطقة بكل تلاوينها من إسرائيل إلى إيران، كي يمكن السير بتسوية كبرى. على عكس المغامرة الفرنسية المتسرعة في فرض تسوية مجتزأة من فوق. لكن الطرفين لا يزالان يعتبران أن لدى اللبنانيين فرصة حقيقية للسير بالانتخابات محلياً وفق قواعد مدروسة تسهم في وقف النزف الحالي اقتصادياً واجتماعياً، وحينها قد تمنح لها المظلة السعودية - العربية والدولية المطلوبة.