لا تقف مأساة السجناء في لبنان، عند حرمانهم من الحريّة، عبر تأجيل محاكماتهم الناجمة عن الاعتكاف القضائي وتقنين الجلسات، ولا عند غياب التقديمات الطبية وفقدان النظافة وتوفير الظروف الملائمة لهم، بل بلغت الآن حدّ تهديد أمنهم الغذائي وحرمانهم من وجبات الطعام بعد أيام قليلة، ما ينذر بمجاعة تطال الآلاف منهم، وهو ما يهدد بانفجار يصعب احتواؤه، فيما أطلقت مؤسسات أهلية الصرخة، محذرة من "التداعيات الأمنية لهذه المشكلة".

أزمة الأمن الغذائي للسجون مرتبطة مباشرة بالانهيار المتسارع في بنية الدولة اللبنانية، التي باتت عاجزة عن تسديد مستحقات التجار والمتعهدين، الذين يزودون قوى الأمن بالمواد الغذائية لإدارة السجون، ويتعاظم القلق مع إعلان المتعهدين توقفهم عن تسليم المواد اعتباراً من مطلع شهر نيسان المقبل، واعترف مصدر أمني معني بملفّ السجون أن هذا التطور "مثير للقلق، خصوصاً أن العقود المبرمة مع المتعهدين تنتهي في 4 نيسان، ولا يرغبون بتجديدها، وأبلغوا قوى الأمن بتوقفهم عن تسليم المواد، والقانون لا يلزمهم بالاستمرار بذلك".

وكشف المصدر لـ"الشرق الأوسط" عن "اجتماعات بدأت بين قوى الأمن ووزارة المال لمعالجة هذه الأزمة، ومحاولة تحصيل سلفة مالية للمتعهدين لسدّ جزء من ديونهم". وأوضح أن "هناك بعض المساهمات لجمعيات ومنظمات غير حكومية، قد تخفف من وطأة الأزمة مؤقتاً، لكن لا أحد يستطيع أن يحلّ مكان الدولة".

ومواكبة لمشكلة الغذاء، تؤمن دار الفتوى وجبات الإفطار للموقوفين الإسلاميين الموجودين في المبنى "ب" في سجن رومية، إلّا أن المصدر الأمني أوضح أن "هذه التقديمات تحصل سنوياً وخلال شهر الصوم وتتوقف بعده، ما يعني أن معاناة الموقوفين الإسلاميين ستكون جزءاً من الأزمة الكبرى التي تلحق بكل السجناء".

اقفال سفارات

قبل عام، في آذار 2022، قدّمت وزارة الخارجية اقتراحاً إلى مجلس الوزراء بشأن إقفال بعض السفارات والقنصليات في إطار إجراءات عصر النفقات، في ظل تراجع ميزانية الوزارة وعدم قدرتها على تلبية حاجات البعثات ورواتب السفراء. غير أن المماحكات السياسية حالت دون مناقشة الاقتراح الذي اطّلعت "الأخبار"، أخيراً، على تفاصيله.

ويتضمّن الاقتراح إغلاق قنصليتين في أوروبا الغربية (ميلانو ومرسيليا)، وثلاث سفارات في أوروبا الشرقية (أوكرانيا، بلغاريا وتشيكيا)، وخمس في أميركا اللاتينية (التشيلي، الأوروغواي، الإكوادور، الباراغواي وكوبا)، وقنصلية في ريو دي جانيرو (البرازيل)، وسفارتين في آسيا (ماليزيا وكازاخستان)، وأربع سفارات في دول عربية (البحرين، اليمن، السودان وليبيا).

في معايير الاختيار، اعتمدت الخارجية وفق ما جاء في نص اقتراحها، على: أهمّية العلاقات السياسية والتقارير الواردة من البعثات، مشاركة الدولة المضيفة في قوات الـ"UNIFEL"، عدد أبناء الجالية التابعين لصلاحية البعثة، الجدوى الاقتصادية للبعثات، وحجم التبادل التجاري بين البلدين.

وقد وضعت اللائحة بعد دراسة تقييم للنفقات وللمردود المالي والسياسي للبعثات. وفي النصّ، فقرة عن الوفر الأولي المتوقّع من عمليات الإقفال بعد مرور خمس سنوات، يقدّر بحوالي 15.5 مليون دولار. علماً أن مجموع واردات البعثات الـ17 عن السنوات الثلاث (2018 و2019 و2020) يبلغ حوالي 1.8 مليون دولار، فيما بلغ مجموع نفقاتها عن الفترة نفسها 15.1 مليون دولار، بالتالي فإن قيمة العجز تبلغ 13.3 مليون دولار.

اللافت، على ذمّة الخارجية أن بعض الجاليات اللبنانية ومنها في البحرين وبلغاريا، أبدت رغبتها بتأمين النفقات التشغيلية للبعثة تداركاً لخطوة الإقفال، ما يدفع باتجاه إعادة النظر بتعليق العمل فيها. وما إن يعطي مجلس الوزراء موافقته ستعيّن الخارجية سفيراً غير مقيم يغطي منطقة صلاحية البعثة المعلّق عملها من حيثُ يعمل، إضافة إلى إمكانية تعيين قناصل فخريين لتأمين الاحتياجات القنصلية المطلوبة.

تعطيل السفارة الإماراتية

كررت دولة الإمارات العربية المتحدة أمام شخصيات رسمية لبنانية أنها لن تعيد الطاقم الدبلوماسي إلى سفارتها بفي بيروت. وبرر مسؤولون في أبو ظبي ذلك بأنه إشارة من الإمارات إلى نيتها الابتعاد عن المشكلات اللبنانية الداخلية، وأنها كما نصحت الرئيس سعد الحريري بعدم التعاطي بال​سياسة​ اللبنانية، أبلغته أنها تنوي القيام بالأمر نفسه.

وبحسب زوار الإمارات، فإن الدولة الخليجية التي انخرطت في معارك وحروب كبيرة في اليمن وليبيا، وتورطت في أنشطة أكبر بعد التطبيع مع إسرائيل، باتت تخشى تعرضها لضربات انتقامية في عدد من الدول، من بينها لبنان تحديداً. وقال الزوار إن لدى الإمارات علاقة خاصة مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وهي تحصل منه على ما تحتاجه من الساحة اللبنانية مقابل دعم تقدمه للجهار تقنياً ومالياً، ولا تفكر حالياً في تعيين سفير، بعد الفضيحة التي طاولت سفيرها السابق حمد الشامسي الذي تبين تورطه في قضايا فساد في لبنان وفي مصر التي طلبت من أبو ظبي إبعاده.

وليس في سفارة الإمارات في بيروت، والتي جدد مبناها قبل سنوات قليلة، سفير أو قائم بالأعمال، ويقتصر طاقمها الدبلوماسي على عدد محدود من الموظفين الإماراتيين الذين لا يحضرون بصورة دائمة، فيما يتولى موظفون لبنانيون العمل في الملفات الإدارية والقنصلية.