وَقَفْنَا بِالْأَمْسِ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي عِلِّيَة صَهْيُونَ، حَيْثُ أَعْطَى اَلْمَسِيحُ جَسَدَهُ وَدَمَهُ لُحْمَةَ اَلْخَلَاصِ وَسَدَاهُ، لِيُدْرِك تَلَامِيذَهُ وَمَنْ بَعْدُهُمْ، أنَّ اَللَّهَ بَاقٍ مَعَهُمْ، لِيَعْرِفُوا وَيَتَحَقَّقُوا بِاللَّمْسِ وَالسَّمْعِ وَالْعِيَانِ، أنَّ اَللَّهَ حَاضِرٌ، وَحُضُورُهُ بَيْنَ شَعْبِهِ مَا اِنْقَطَعَ يَوْمًا وَمَا غَابَ. أَرَادَهُمْ اَلْمَسِيحُ أَنْ يَعْرِفُوا، أَنَّ هَذَا اَلْحُضُورَ حُضُورٌ مُتَأَلِّمٌ، عَلَّهُمْ يَعْمَلُونَ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ اَلْحُضُورِ اَلْمُمَجَّدِ، بِاكْتِمَالِ فِعْلِ اَلْخَلَاصِ وَشُمُولِهِ كُلَّ بَشَرٍ، وَإنْ طَالَ اَلزَّمَانُ .

وَنَقِفُ اَلْيَوْمَ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ اَلصُّلْبِ، نَقِفُ أَمَامُ اَلصَّلِيبِ لِنَسْمعَ وَنَرَى وَنَشْهَدَ مَعَ يُوحَنَّا، أَنَّ كُلَّ مَا جَرَى صَحِيحٌ، عَلَّ اَلنَّاسَ يُصَدِّقُونَ. أَمَامَ اَلصَّلِيبِ، نَتَأَمَّلُ بِحُضُورِ اَللَّهِ اَلدَّائِمِ، ذَاكَ اَلْحُضُور اَلَّذِي رَافَقَ اَلْبَشَرِيَّةَ عَلَى مَدَى تَارِيخِهَا اَلْمُتَعَثِّرِ اَلطَّوِيلِ، فَنَعْرِفُ، أنَّ اَللَّهَ مَا تَرَكَ شَعْبَهُ، وَأنَّ اَلْحُبَّ، مَتَى كَانَ كَامِلاً عَلَى صُورَةِ اَللَّهِ، بَلْ مِنْ صِفَاتِ اَللَّهِ، كَانَ مُسْتَدِيمَ اَلْفِعْلِ، أَبَدِيَّ اَلْعَطَاءِ، دُونَ تَرَدَّدَ أَوْ رُجُوعٍ. هَذَا اَلْحُضُورُ تَجَلَّى عَبْرَ اَلتَّارِيخِ بِأَسَالِيبَ شَتَّى، فَكَانَ حُضُورًا بِالْكَلِمَةِ، وَحُضُورًا بِالْفِعْلِ، وَحُضُورًا بِالرَّمْزِ، وَحُضُورًا بِالشَّخْصِ، وَحُضُورًا بِالرُّوحِ أَيْ بِالْكَنِيسَةِ .

إِرَادَة اَللَّهِ فِي حُضُورِهِ أَلَّا يَتْرُكَ شَعْبَهُ، كَيْ لَا يُضلَّ ويَتُوهَ، فَأَرْسَلَ لَهُ أَنْبِيَاءَ تَنْطِقُ بِاسْمِهِ، هُمْ أَنْبِيَاءُ مُكَلَّفُونَ بِتَعْلِيمِ اَلنَّاسِ وَهَدْيِهِمْ، هُمْ صَوْتُ اَللَّهِ اَلصَّارِخُ، يَقُوِّمُونَ كُلَّ اِعْوِجَاجٍ، وَيُرْشِدُونَ إِلَى اَلطَّرِيقِ اَلسَّدِيدِ، كُلَّ مِنْ تَاهَ عَنْ اَلصَّوَابِ، أَكَانَ هَذَا اَلتَّائِهِ فَرْدًا مِنْ اَلنَّاسِ أَمْ شَعْبًا مِنْ اَلشُّعُوبِ أَمْ مَلِكًا مِنْ اَلْمُلُوكِ. وَلَمْ يَكْتَفِ اَللَّهُ بِحُضُورِهِ اَلنَّبَوِيِّ، فَكَانَ اَلْحُضُورُ بِالْأَفْعَالِ اَلْمَحْسُوسَةِ اَلْمَلْمُوسَةِ، لَمِنْ عَرَفَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَامَاتِ اَلزَّمَانِ، فَضَرَبَ اَلْفِرْعَوْنَ حِينَ ظَلَمَ، وَحَوَّلَ مَاءَهُ دَمًا، وَمَلَأَ أَرْضَهُ مَرَضًا، وَقَدْ رَأَى اَلْمُؤْمِنُونَ مَا حَلٌّ بِمَنْ عَادَاهُمْ وَاسْتَعْبَدَهُمْ، فَعَرَفُوا بِقُوَّةِ اَلْحُضُور، وَفِعْلِهُ، فَخَرَجَ اَلشَّعْبُ وَانْعْتَقَ. وَلَمْ يُفَارِقِ اَلرَّبُّ اَلشَّعْبَ فِي خُرُوجِهِ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ بِالرُّمُوزِ وَمَا أَكْثَرَهَا، فَالْتَهَبَ بَالْعِلَّيْقَةِ، وَسَارَ أَمَامَ شَعْبِهِ عَمُودَ نَارٍ وَدُخَّانٍ، وَأسْقَاهُ مِنْ صَخْرَةٍ فَاضَتْ مَاءً لِكَيْ لَا يَمُوتَ، وَتَجَلَّى نَسِيمًا هَادِئًا لِإِيلِيَا. أَقَامَ اَللَّهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا، بَعْدَمَا نَصَبُوا لَهُ خِبَاءٌ، يَقُومَ مَعَهُمْ فِي تَرْحَالِهِمْ وَيَحُلُّ مَعَهُمْ فِي نُزُولِهِمْ، وَيُقَاتِلُ مَعَهُمْ فِي نِزَالِهِمْ .

وَلَمْ يَكُنْ اَلشَّعْبُ كُلُّهُ، لِيَعْرِفَ حَقَّ اَلْمَعْرِفَةِ، مَاذَا يَحْدُثُ وَمَاذَا يُدَبَّرُ، فَهَذِهِ اَلرُّمُوزُ ظَلَّتْ بِرُغْمِ اللَّمْسِ وَالسَّمْعِ وَالْمُشَاهَدَةِ، مَلْفُوفَةً بِالْحُجُبِ، يَغْمُرُهَا اَلسِّرُّ وَيَنْقُصُهَا اَلِانْكِشَافُ.

وَلَمْ يَكُنْ حُضُورُ اَللَّهِ هَذَا، أَمْرًا سَهْلاً عَلَى اَلنَّاسِ، وَمَقْبُولاً مِنْهُمْ : فلَطَالَمَا جُوبِهَ بِالرَّفْضِ وَالْعِنَادِ وَالنَّفْيِ وَالرَّجْمِ، وَكَأنَّ اَلشَّعْبَ، مُنْذُ كَانَ اَلِانْقِسَامُ اَلْكَبِيرُ، مُصِرٌّ عَلَى إِيذَاءِ نَفْسِهِ وَإِيذَاءِ اَللَّهِ فَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ وَشَرَّدُوهُمْ، ونصبوا لأنفسهمْ آلهةً منْ ذهبٍ وعبدوها، فهمُ مِنْ يومِ خروجِهم منْ أرضِ مصرَ إلى هذا اليومِ، يقولُ الربُّ، ما زلْتُ مرسلاً إليهمْ جميعَ عبيدي الأنبياءِ، كلَّ يومٍ، مبكرًا في الإرسالِ، فلمْ يسمعوا إليَّ ولمْ يميلوا آذانَهمْ، بلْ صلَّبوا رقابَهم، وعملُوا شرًّا منْ آبائهمْ، وكأنَّ الحقَ قدْ ذهبَ عنهمْ، وانقطعَ عنْ أفواهِهِمْ، يقولُ الرب.

وقابلَ اللهُ إصرارَ الشعبِ على ضلالهِ بإصرارهِ على حُبِّهِ، وحضرَ اللهُ بابنهِ بينَ الناسِ، واحدًا منْ الناسِ. وقالَ مناديا منْ سمائهِ : هذا هوَ ابني الحبيب الذي بهِ ارتضيت، علَّهمْ يدركون ويؤمنون. وطمع الناسُ بالوريثِ الوحيدِ، فَدَبرَّوا قتلَهُ وطلبوهُ، فقالَ بيلاطُسْ لهمْ : "هذا هوَ الرجلُ"، فصلبوه .

أمامَ الصليبِ نقفُ ونتأمَّلُ فعلةَ الناسِ بكلمةِ اللهِ وفعلهِ وحضورهِ، فنعرفُ، وايَّ شيءٍ نعرفُ :

1-نعرف أولا، مدى حب الله للناس واستمراره، لقد طمع الإنسانُ الأوَّلُ واشتهى الألوهةَ، وأراد تنفيذَ مبتغَاه بقدرته وتدبيره، فتعاونَ والشيطانَ على ذلكَ ففشل، وكان الخرابُ بالانقسامِ وفيه الموت. وأبت محبَّةُ اللهِ إلا أن تُعطِي الإنسانَ ما أراد، فجاء المسيحُ وعُذِّبَ وماتَ، وكأنَّ الله يقول لمن عقلَ وأدرَك. أراد الإنسانَ بغيّة أن يصبح إلها، فما قدر، وها أنا محقِّقٌ رغبة الإنسان لأنني أحبُّه، فأرسلتُ ابني إنسانًا ليصبح الإنسانُ إلها ولكنْ بقدرتي وإرادتي ومحبتي لا بقدرتهِ.

2-أمامَ الصليبِ نعرفُ أنَّ كلَ خطأٍ في الأرضِ لهُ ثمنه، وكلَّ جُرمٍ لهُ مُقتداهْ . واغربْ ما نعرفُ هنا، أنَّ البريءَ هوَ منْ يدفعُ ثمنَ أخطاءِ الآخرينَ ويحمِلُ خطاياهمْ . جاءَ المسيحُ وحيدًا على الأرضِ بلا خطيئةٍ، فتجمَّعتْ عليهِ كفَّارة كلِّ خطايا الناسِ . ماتَ مرذولاً وحُسِبَ كالمُجرمِ ليعيدَ إلى الناسِ نقاوتهم ويردَّ نفوسهُم بيضاءَ كالثلجِ بعدما غدَتْ حمراء كالقرمزِ.

صورةُ البريءِ هذهِ، تضعَ أمامنا اليوم، في زمنٍ كثُرَ الإجرامُ فيهِ حتى الجَمامْ، وتمادى المخطئونَ في خطأهِم، حتى عمَّ الخرابُ الأرضَ، فقُتِلَ من قُتِلَ، وشُرِّدَ منْ شرِّدَ، وهجِّرَ منْ هُجِّرَ، وافتقرَ وجاعَ وتألمَ شعبٌ بكاملهِ، وهوَ لا يدري لِماذا وكيفَ، كأنَّ حكايةَ الصليبِ تتجدَّدُ، والمسيحُ يقولُ بلسانِهم " قولوا لي لأيةُ جريمةً تحاكمونني".

أمامَ الصليبِ نعرفُ إذًا، أنَ البريءَ يدفعُ ثمنَ أخطاءِ الآخرينَ، وأعجبُ ما في هؤلاءِ الآخرينَ، أنَّهمْ صلبوهُ مرَّةً وعرفوا أنهُ بريء، وهُمُ اليومَ يعاودونَ آلامه وصلبهُ، فإلى متىْ على ضلالهمْ يُصرُّونَ .

3-أمام الصليب، نسمعُ آخرَ ما قاله المسيحُ قبل أن يُسلم الروحَ، فنصغي ونتأمَّل، ولعلَّ سكُون الجلجلةِ وذاك الصمتَ الرهيبَ الذي غلَّف الأرضَ يومذاك، يساعدانِ على حسنِ التأمُّل وسكينةِ الإصغاء. قال المسيح وقد نظرَ آخر نظرة إلى الأرض، " أنا عطشان " وكيف يعطشُ من هو نبع الحياة الذي لا ينضُب، أنسِيَ أنه على بئر يعقوبَ وعدَ السامريةَ بماءٍ لا عطش بعدهُ ولا جفاف؟ أنسيَ أنه كان صخرةً تتفجّرُ ماء في صحراءِ الخروج، ليحيا الشعب فلا يموت؟.

أتراه إلى الماءِ عطش المسيحُ أم إلى خلاصِ الناسِ الذين تعهد خلاصهم، وهو يتمُّه الآن. نداءُ المسيح هذا، وفي لحظة تسليم الروح بالذات، أليس نداء التائهين اليوم في الأرض وَمنَ الظلم يعانون، أليس نداء الشعوب المضروبة بالجوع والمرض والتخلّف، ونداء المدن المقصوفة والقرى المهجورة الواجمة في ظلال الموت، القابعة في جمعة عظيمة ما بعدها سبتُ نور ولا يوم قيامة؟ هو نداء الأمم المتعطشة إلى السلام وفي خاصرتها رماحٌ أممٍ، هي للشيطان ألسنة وللتنين أسنَّة. فلا تتركُها، ولا تُطلِقَها، ولا تميتُها، فترتاح من شرِّ جيرةِ الشريرينَ العابثينَ الطامعين .

عطشُ المسيحِ هذا هو نداءُ المقهورين في الأرضِ لنقاوةِ قلوبهم، وبساطةِ نفوسهم، ووداعةِ عشرتهم، هو نداءُ الحزانى والرحماءِ وأنقياءِ القلوبِ وفاعلي السلامةِ المضطهدينَ المعيَّرين. نداءُ المسيح هذا قوبِلَ يومَها بإسفنجةٍ على رمح ٍ تقطرُ خلاً ومرًّا، ويقابَلُ اليومَ من ساسةِ العالمِ وعسكرييه ومسلَّحِيه ومستغلِّيه والمتاجرين بِه، لا برمحٍ فحسبُ. بل بسيلٍ من آلاتِ الموتِ والدمار، ولا بإسفنجةِ الخلِّ فحسبُ، بل بنهرٍ من سُمٍّ ونار. نداءُ المسيحِ ما زال إلى اليوم يدوّي، فيغرقُ بنداءات العالمِ العطشِ إلى المنكَر والميسَر، بعطشِ الأممِ الغارقةِ بالماديَّةِ والإنتاجيةِ والمركانتيلية، نداءُ المسيح يعلُو، وقد خنقَهُ عطشُ المجموعاتِ المسلَّحة إلى الإرهابِ وخطف الأبرياء، خنقهُ العطشُ إلى شهوةِ السلطانِ واستعبادِ الناسِ واسترخاصِ قيمهم وقيمَتهم، خنقهُ العطشُ إلى الإفسادِ وتخريب الأخلاق وهدم الأسرة بالمخدراتِ والإغراءات وسوءِ التربية ومصادرة مسؤوليَّات الأهلين، واحتكارها في مؤسسات سلاحها رمحٌ وإسفنجةُ خلٍّ يُسقاها الناسُ كلَّ يومٍ ويَسكتون أو يُسكتُون.

أنا عطشانُ قالها المسيحُ وحاولوا أن يسقُوه، وما عرفُوا أنهُ ليس إلى الماءِ عطشان؛ ما عرفوا؛ وانَّى لهُم أن يعرفوا، أنَّ عطش المسيحِ، هو إلى خلاصِ كلِّ واحدٍ من الناسِ، وعودتِه عن ضلَالهِ، واستهدائه إلى الحق، ودخوله إلى الحياة. لم يعرفوا أنَّ عطشَ المسيح ِهذا، ما زال إلى اليوم، وسوف يبقى إلى الساعة التي تتم فيها إرادة الله، ويعمُّ الملكوت، ولا يبقى خارج الباب أحدٌ، بل يدخل الكلُّ إلى العرس ويعمّ السلام، ويمسح الله كلَّ دمعة من أعين الناس. سيبقى المسيح على عطشه إلى أن يستفيق الناس ويعطشون إلى الرجاء بالله، لا بأعمال أيديهم، والى العدالة بالحبِّ لا بالقهر والسيف، والى الحبِّ المعطاء لا حبُّ التملّك والاستئثار، سيبقى المسيح على عطشه، إلى يوم يعطش العالم إلى الله، فيستغني عن بئر يعقوب ويصرخ قائلا مع السامرية: "لقد وجدت المسيح".

4-أمامَ الصليب نُدرِكُ المعاناةَ التي تركَها المسيحُ لكنيسته. وندرِكُ صعوبةَ المهمَّةِ. أليستِ الكنيسةُ افتدادَ التجسُّدِ عبرَ الزمانِ والمكان؟ أليستْ هي حضورَ اللهِ ومسيحِه بين أُمَمِ الأرضِ على امتدادِ التاريخِ واتساعِ المدى، فإنْ كانت هكذا، فلا غرابةَ في أن يكونَ حضورُها حضورَ المتألِّم المرفوضِ المنكور المنبوذِ . أوَلَم يسألِ المسيحُ رسلَهُ عن كأسٍ سوفَ يشربونَها إنْ كانوا قادرين؟ أنَّها كأس الألمِ، تشربُها الكنيسة، في كلِّ يومٍ تحاولُ الكنيسةُ أن تقومَ بدورها النَّبويّ في تقويم ِالاعوجاج ِ والهدي إلى السبيلِ المستقيمِ، في كلّ مرة تُجَسِّدُ دَوْرَ المسيح، أكانَ في حملهِ لآلامِ الناس وأخذِ أوجاعِهم وآلامهم، أم كان في طردِ الباعةِ من الهيكل، لئلا يدنِّسوا قدسَ الربِّ برجسِهم ونفاقهم، وهُم يحسبونَ ذلك صدقًا وخيًرا، وبه يلتزمون.

أمامَ الصليب. نعرفُ أن حضورَ اللهِ في الكنيسةِ اليومَ وغدًا هوَ الحضورُ المسمَّرُ على الصليبِ، وقد اجتمعَ حولهُ الساخِرونَ الشامتون، المُدَّعون الكاذبون.

وأمام الصليب نعرفُ، وسوفَ يعرف كلُّ من يُعطَى أن يعرفَ ويريد، أنَّ التراجع ممنوعٌ، على كلّ من حمل رسالة المسيحِ وشهد له، وآمَّن حضورهُ، وتابع مسيرتَهُ، ونعرف أنَّ السِّلاحَ الوحيدَ الذي تحملُهُ الكنيسةُ إلى جانبِ المساميرِ، هو الصَّفْحُ والغفرانُ لكلِّ من يهزأ أو يتهجَّمُ، أو يمُدَّ رماحَ الحقدِ والاستضعافِ. الغفرانُ وحده، وكيفَ تتخلَّى عنه الكنيسة، وهو صفةٌ، لو لم تكن باللهِ لما كان إلهًا، ولو لم تكن في مسيحهِ، لَما ماتَ لأجل صالبيه، ولَما تمَّ مشروعُ الخلاصِ الذي من أجلهِ أتَى .

كلمةُ المسيح " إغفر لهم يا أبتاه لأنَّهم لا يدرون ماذا يفعلون " هي شعارُ مسيرةِ الخلاصِ بعد أنْ حملتِ الكنيسةُ لواءَ هذه المسيرةِ، أكان المخطئون من أبناءِ البيت أم مِمَّن لا يعرفون.