لبنانُ صَليبُ الأُمَمِ، مُذ مَولِدِهِ في الجُغرافيا الثُكلى والتاريخِ المُتألِّمِ، على شَكلِ صَليبٍ بِجِذعَيهِ الأُفُقيِّ مَعَ العالَمِ، والعاموديِّ مَعَ اللهِ.

في إتِّحادِ اللهِبِهِ حَياةٌ مِن خَلفِ المَوتِ. ذَلِكَ أنَّهُ، في عُبورِهِا لإستِشهادَ الى القيامَةِ، يَنفُضُ عَنهُ الجَحيمَ، أيّ فِعلَ المَوتِ، ليُعلِيَ سِيادَةَ الحَياةِ.

أجَل! لَقَد أُسلِمَ لبنانُ لِلمَوتِ، فَنَزِلَ الى الجَحيمِ، مَكانِ المُبعَدينَ عَنَ اللهِ، وَجَعَلَ مِن هَذا المَوضِعِ لا فُسحَةً لِسُلطانِ المَوتِ بَل مَوقِعَ حُضورِهِالى الحَياةِ. أَلَيسَ في ذَلِكَ ذُروَةُ الفِداءِ؟ فَفِداءُ لبنانَ هوَ إثباتُأنَّ الحَياةَ التي يَحمِلُها الى عالَمِ المَوتِ لَيسَت تَوقاً بَل حَقيقَةً. وَحَقيقَةُ لبنانَ القيامَةِ عَميقَةٌ عَميقَةٌ لا تَطَلُّباُ مُنكَفِئاً على ذاتِهِ.

فَلنوضِحَ: إذا كانَ المَوتُ حاضِراً في واقِعِ لبنانَ مِمَّن يَشتَهونَهُ باطِلَ الوجودِ، وإذا كانَ مَسيرَةَ زَوالٍ مِمَّن يَبتَغونَهُ تَخَلِّياً عَن جَوهَرِهِ، فَلبنانُ القيامَةِ ثِقَةٌ مٌطلَقَةٌ بِسُلطانِ اللهِ على المَجالِ الإنسانيِّ... الغالِبِ بِقُدرَةِ يَقينِ اللهِ التي أرادَتهُ كَذَلِكَ لَذاتِهِ.

هَذا يَعني أنَّ صِراعَ لبنانَ مَعَ مَوتِهِ، الذي يَقودُهُ إلَيهِ مَن يَعمَلُ على إفنائِهِ، إندِفاعٌ الى جُذورِ كَيانِهِ. شَدِّد: لبنانُ الذي يَموتُ عَن ذاتِهِ فِداءً لِلآخَرينَ هوَ مَن يوصِلُ ذاتَهُ والآخَرينَ الى الذُروَةِ. فيها، نُضوجُ الحَياةِ التي هيَ نَقيضُ الإستِسلامِ لِلعَدَمِ عَلى حِسابِ الحَقيقَةِوإعتِناقِها.

أَأَقولُ أنَّ جَوهَرَ لبنانَ هوَ التَماهيَ مَعَ السِرِّ الفِصحيِّ الَذي حَمَلَهُ اللهُ الى الوجودِ الإنسانيِّ؟ الأساسُ في الجَوابِ أنَّ لبنانَ القيامَةَ لَيسَ تَهَرُّباً وَلا هُروباً مِمَّا في الحَقيقَةِ مِن حَقٍّ.

نُقطَةُ إرتِكازِ القيامَةِ-لبنانَ هيَ إعطاءُ الحقِّ لِجُرأةِ الجَوهَرِ وإلحاحُ جُرأةِ الوجودِ عَلى قَبولِ الحَياةِ بأكمَلِها، طالَما أنَّ اللهَ هو إلَهُ الحَياةِ، ولبنانُ هوَ عَطِيَّةُ الحَياةِ الَتي مِنَ اللهِ، مَهما كَثُرَتِ الظُلُماتُ وَتَسَلَّطَتِ عَلَيهِ. وَتالياً، القيامَةُ-لبنانُ لا تَجِدُ مِلءَ نَفسِهاإلَّا في مَجالِغَلَبَةِالحَياةِ لِكُلِّ مَوتٍ.

تِلكَ بُطولَتُهُ: مواجَهَةُ كُلِّ أمرٍ واقِعٍ عَلَيهِ مِن طُغيانِمَشيئَةِ مَوتٍ، والإنتِصارُ عَلَيهِ.

وَهَذا لِوَحدِهِ مُناقِضٌ لِكُلِّ مَساراتِ الفَلسَفَةِ التي مُنذُ إبيقوروس نادَت بِتِقَنِيَّاتِ تَمَتُّعٍ تَسجُنُ بَينَ قَوسَينِ الألَمَ وَكأنَّهُ غَيرُ مَوجودٍ. وَلَيس في ذَلِكَإلَّا تَصاعُدَ كِبرياءِ التَنَكُّرِ لِحَقيقَةِ الوَضعِ الإنسانيِّ، وإدّعاءِ إقصاءِ الأُلوهَةِ كَباطِلٍ يُرجى تَجاهُلُهُ.

سَكينَةُ المَوتِ

لا! لبنانُ لا يَموتُ في سَكينَةِ الإفناءِ التي تَقودُ الى السُقوطِ في اللاكَيانِ، بَل مُتألِّماً مِن أقصى المَهانَةِ وَقِمَّةِ المُعاناةِ المَفروضَتَينِ عَلَيهِ. مِنهُما يَرتَفِعُ الى اللامُتناهيَ، الذي واقِعُهُ تَحَرُّرٌ غَيرُ مُنفَصِمٍ بَينَ الإكتِمالِ والحَيَوِيَّةِ.

طَبيعَةُ لبنانَ القيامَةِ هيَ إذاً صورَةُ القيامَةِ-لبنانَ. بِدونِ هَذِهِ الصورَةِ يَبقى لبنانُ مُجَرَّدَ إمكانِيَّةٍ. وَبِدونِ هَذِهِ الطَبيعَةِ، لا يَكونُ لبنانُ قائِداً لِلَّهِ وَلِلإنسانِ، مَعاً، صَوبَ نَفسَيهِما حَيثُ يَقِفُ كُلٌّ مِنهُما إزاءَ الآخَرِ فَيَحيَا، مَعاً، في بَعضِهِما البَعضِ.

هَذا مُعطى مِنَ اللهِ لِلبنانَ وَحدٍهِ في قَلبِهِ المَطعونِ. فيهِ تَنفَتِحُ غَلَبَةُ الأبَدِيَّةِ على إزمِنَةِ الإنسانِ لِتُقيمَها في سُكنى اللهِ في العالَمِ.

إعتَرِف آنَئِذٍ أنَّهَذا لَيسَ حَدَّاً مِن إيمانٍيَتبارَزُوَحَدَّ العَقلِ،ليَحُلَّ مَحَلَّهُ في التَطبيقَ... بِعدَما أفسَدَ كُلٌّ مِنهُما الآخَرَ.هذا إيمانٌ مُتَّحِدٌ بالعَقلِ والعَكسُ بالعَكسِ.

في هَذا اللبنانَ-الإتِّحادِ، في هذا اللبنانَ-القائِمَ-مِنَ-المَوتِ، لانِهائِيَّةَ رؤيَةِ اللهِ في لانِهائِيَّةِ كَيانِ الإنسانِ.

إنَّهُسِرٌّ لبنانَ الكُلِيِّ!