باتت "تنبؤات" انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ​لبنان​، مماثلة لتوفعات المنجّمين و"الموضة" التي ظهرت اخيراً بمنجمي الزلازل والهزّات الارضية. موعد تلو الآخر يظهر على وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، منها ما هو مبني على كلام من مسؤولين محليين ودبلوماسيين، ومنها ما هو مبني على توقعات وتحاليل تصيب حيناً وتخطئ احياناً. وكي لا ندخل في دوامة التوقعات و"التنبؤات"، فإن مسار الامور على الساحة الدولية يوحي بما يلي بالنسبة الى لبنان: حماسة فرنسيّة واضحة للاسراع في ​الانتخابات الرئاسية​، مقابل فتور اميركي غير مخفي. وما زاد الطين بلّة في هذا المجال، هو الاندفاع الاوروبي (وتحديداً الفرنسي) نحو ​السعودية​ والصين، في حين ان ​الولايات المتحدة​ تمارس سياسة الحرب الباردة مع المارد الآسيوي، و"شعرة معاوية" مع السعوديين.

وما من شك ان العلاقة الاميركية-الفرنسية ليست في افضل احوالها، وخصوصاً في لبنان حيث يذكر الجميع التحركات المكوكيّة والاتصالات الكثيفة التي كانت قائمة بين السفيرتين ​دوروثي شيا​ و​آن غريو​ في موضوع الانتخابات النيابية واستجرار الغاز والكهرباء الى لبنان، وجولاتهما على المسؤولين اللبنانيين والتنسيق غير المسبوق بينهما وكأنهما واحد. اما اليوم، فلا لقاء ولا اجتماع ولا حتى اتصال يسجّل على مستوى السفيرتين، ان في موضوع الانتخابات البلدية والاختيارية او الاستحقاق الرئاسي، ومن غير المقنع ابدا التلطي بأنّ الموضوع يتعلّق باحترام الشؤون الداخليّة اللبنانيّة، لانّ الانتخابات النّيابية لم تكن شأناً اوروبياً ولا عربياً، بل كانت ايضاً في صلب الشؤون اللبنانيّة، فما الذي يميّزها عن غيرها ما لم يكن الفتور القائم في العلاقات بين البلدين الكبيرين؟.

لا يبدو ان الادارة الاميركية الحاليّة راضية عن الحراك الذي يقوم به الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ في العالم، ومن المحطّات التي يعملون فيها على "عرقلة" جهوده، القطار اللبناني، فكل المساعي الفرنسية اصيبت كما حصل سابقاً مع ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب بنكسة اميركيّة، ولا يمكن نسيان "الصفعة" التي تلقاها ماكرون في بيروت بعد تولّيه شخصياً الملف اللبناني وخرج به الى العلن حاملاً الحلول التي وضعها، قبل ان تدخل داهليز افكار ترامب وتضيع في سراديبها.

من هنا، من الصعب تحديد موعد لاجراء الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة، وما يجب متابعته هو الردّ الاميركي على التحرك الفرنسي-الصيني، خصوصاً بعد الانتقادات اللاذعة التي تلقاها الرئيس الاميركي ​جو بايدن​ على اثر نجاح الصين في جمع السعوديّة وايران واعادة العلاقة بينهما على نطاق واسع، والاهمّ انهاء المواجهة بينهما على الارض اليمنيّة، وهو ما لم تنجح به الادارات الاميركيّة المتعاقبة. ولن يكون من مصلحة الرئيس الاميركي، على ابواب البدء بحملة ترشّحه لولاية جديدة، ان يكون مجرّد "شاهد" على انجاز جديد يضيع منّه وهذه المرة في لبنان، وهو الذي "قطف" ثمار الترسيم الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل واعتبره من الانجازات التي خرج بها الى العالم للرد على انجازات ترامب بالنجاح في تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية واسرائيل.

وفي رحلة البحث عن الانجازات هنا وهناك، يبقى الاستحقاق الرئاسي اللبناني في انتظار من يتبنّى انجازه، ف​فرنسا​ ترغب في تقوية نفوذها في هذا البلد، فيما اميركا لن تقبل بالسيطرة الفرنسيّة عليه، وما الرسائل التي ترسلها (عبر فرض عقوبات ماليّة على شخصيّات لبنانيّة) في توقيت معيّن، سوى دليل على تقويض الجهود "الماكرونيّة"، الى ان يحلّ الوقت الذي يصل فيه البلدان الى قاسم مشترك من شأنه ان يحرّك الامور ويؤمّن الفحم الى قطار الحلّ الذي لا يزال ينتظر على السكّة امام محطّات الرئاسة والاتفاقات الاقتصاديّة والماليّة التي من شأنها ان تؤمّن جرعات كبيرة من الاوكسجين الى البلد.