"يا فَرحي، المسيحُ قام". هذا ما كانَ يُردِّدُه دائمًا القدّيسُ سيرافيم ساروفسكي. فَقولُه هَذا يضعُ أمامَنا عُنوانَين كَبيريَن يُدخِلانِنا في عمقِ التَدبيرِ الخلاصيّ الذي تَمّمَهُ الربُّ يسوعُ من أجلنا، مِن خِلالِ تَجسّدهِ وصَلبِه وقيامَته.

لا يَغيبُ عن فكرِنا أنَّه مع بلوغِنا أَحد الفِصح المجيد، نَكونُ قد دخَلنا زَمنًا ليتورجِيًّا جَديدًا، أَلا وَهوَ البَنديكِستارِيون، أيّ الخَمسينيّ، الذي يأخذُنا بِدَوره إلى زمنِ العُنصُرَةِ المقدَّس، يومِ حلولِ الروحِ القدُسِ على التَلاميذ في العُلِّيَّة. وينتهي بنا هذا الزمنُ بأحدِ جميعِ القدّيسين. وذَلكَ لتقولَ لنا الكنيسةُ إِنَّنا جميعنا مَدعوّين للامتلاءِ من الروحِ القُدس المُعزّي، روحِ الحَقّ، فَنتقدّس.

عندما يقولُ القدّيسُ سيرافيم ساروفسكي: "يا فرحي"، يتكلَّمُ حينئذٍ على فرحٍ شخصيٍّ يَختبرُهُ من خلالِ صَلَواتِهِ وجهادِه وتَواضعِهِ. كلٌّ منّا مدعوٌّ إلى هذه الخبرَةِ مع المسيح، الذي أَتى مِن أجلِ كلِّ واحدٍ منّا دونَ استثناء. لقد خَلَقنا وأتى إلينا وأقامَنا مَعه بقيامَتِه، لكي نَحيا مُنذُ الآنَ بفرحٍ ليسَ من هذا العالَم. فَما أجملَ قيامَة المسيحِ من بَينِ الأموات، وانتِشالنا مِن جَحيمِ سقَطاتِنا وَأَهوالِ نَزَواتِنا.

هذا تَمامًا ما عاشَه المسيحيونَ منذُ البِدايَة، حينَ صَبروا على المِحَنِ والتَنكيلِ بهم، والعَذاباتِ على شَتّى أنواعِها، والاضطهادات، والسُجونِ والمَوت.

​​​​​كانوا ينظرونَ إلى كلِّ شيءٍ بمنظارِ القيامَةِ المجيدَةِ وغَلَبَةِ يَسوع؛ وَقد تَصَرَّفوا طيلَةَ حياتِهم من خلالِ انتصارِ الرَبِّ يسوعَ على المَوت؛ فَأحسنوا القِراءَةَ في خَلاصِ الرّب، مُتَّخِذينَ التَعابيرَ القِياميَّةَ النافِعَةَ والناجِعَةَ والمُعزيَّة مِن الأحداثِ التي ذُكرَت في العَهدِ القَديم. فَصَوَّروها جِداريّاتٍ وَفُسيفساء، وَنُقوشًا عاجِيَّةً ومُنَمنَماتٍ وَأيقونات، تَشهدُ على صَلابَة إيمانِهم وَثِقتهم الكبيرَة بالرّبّ.

وَقَد شَكَلّت هذهِ الأعمالُ كَنزًا ثَمينًا مِنَ الناحيةِ الإيمانيَّةِ والفَنِّ الكَنَسيّ على حَدٍّ سِواءٌ.

فمنَ الناحيةِ الإيمانيّة، شَكلَّت هذه الجماعاتُ مِثالًا يُحتَذى بِه، من الشجاعَةِ والأمَل والرَجاء. وَأمَّا مِن ناحيةِ الفَنِّ الكَنَسيّ، فوجودُ التَصوير الكَنَسيِّ والأيقونات، هي مِن صُلبِ الإيمانِ المسيحيّ منذُ بداياتِه، وهذا يَتماشى مَع ما نؤمنُ بهِ ونُصَلّي.

هناكَ مَثلًا جِداريّاتٌ في دياميسِ روما تعودُ إلى القرنِ الثالثِ الميلاديّ. نُشاهِدُ عَلَيها الفِتيَةَ الثلاثَةَ القدّيسينَ يَتضرّعونَ إلى الله وَهُم قائِمونَ في وسط لَهيبِ النارِ دونَ أن يَحترِقوا (دانيال 25:3). والروحُ القُدُس يُرفرِفُ فَوقَهم بِشَكلِ حَمامَة تَحمِلُ غصنَ زيتون.

كذلكَ نشاهدُ دانيالَ النبيَّ واقِفًا وباسِطًا يَديهِ وَسَطَ جُبِّ الأسودِ التي لم تَفتُكْ بِه. وَهناكَ أيضًا يونانُ النبيُّ رافِعًا يَدَيهِ نحوَ الرّبّ.

فمن ينظر إلى هذه الجداريّات، يسمع المسيحيّونَ الأوائِلُ يُصَلّونَ وَيطلِبون إِلى الرّبّ: "يا ربُّ كما خَلَّصتَ الفِتيَةَ الثلاثَةَ القِدّيسينَ مِن وَسَطِ النار، ودانيالَ النبيَّ مِن جُبِّ الأُسود، ويونانَ النبيَّ مِن جَوفِ الحوتِ البَحريّ، خَلِّصنا".

كَما أنَّ هناكَ مَشاهِدَ أُخرى تُخبرُنا عن أَحداثٍ خَلاصِيَّة أخرى نذكرُ منها: "موسى النبيُّ يَضربُ الصخرةَ بِعَصاه كَما أَمرَهُ الربّ، لِيُخرِجَ مِنها ماءً، فَيشربَ الشَعبُ العِبرانِيُّ الذي منها أَروى ظَمَأَهُ في الصَحراء.".

وإلى يَومِنا هذا ما زِلنا نَذكُرُ كلَّ هذِه الأحداثِ في صَلَواتِنا. فَعَلى سبيلِ المثالِ وَليسَ الحَصر: "لم يرتِعِدِ الفتيةُ الثلاثةُ القدّيسينَ من أَتّونِ النار، لا بَل وَقفوا فيه معًا في النارِ الناسِمَة، والتي فيها ريحٌ نَدِيَّة، فكانوا يرتّلون: أيُّها الفائقُ التسبيح، مُبارَكٌ أنتَ يا إِله آبائِنا".

وأمّا يونانُ النبيُّ الذي كان في جَوفِ الحوتِ البحريّ، فَقد بَسَطَ يَدَيه بشكلِ صليب، إِشارَةً إِلى المَصلوب. كَما وَكانَ خُروجُهُ مِن الحوتِ رَسمًا لِخُروجِ المسيحِ من القَبرِ وَقِيامَتِه.

نُصَلّي نحنُ أيضًا في الزمنِ الخَمسينيِّ المُقَدَّس، في انتصافِ مَسيرِتِنا إلى العُنصُرَةِ المَقدَّسَة حَيثُ نَقول: "اِسقِ نَفسي العَطشى مِن مياهِ العِبادَةِ الحَسنةِ أيُّها المُخلِّص..."، كَما عَلَّمَنا الرّبُّ يسوعُ حينَ قال: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ." فَنَحنُ نَعطَشُ دائِمًا إلى النعمةِ الإلهيَّةِ والروحِ القُدُس.

أمّا أيقونة الانتصار والغلبة، هي الصليب. فَقَد أَصبحَ الصليبُ معَ المسيحِ رمزَ انتصارٍ وَعلامَةً نورانِيَّة، كما تُظهرُه الفُسَيفساءُ المُرَصَّعُةُ بالذَهبِ في "رافينا" مِن القَرن السادِس الميلاديّ تَقريبًا. وهناكَ أيضًا صلبانٌ أُخَرُ مَزروعَةٌ بالوُرود. وَلا نَنسى جِداريّاتِ إِقامَةِ الرَبِّ يَسوعَ المسيحِ لِلِعازَرَ الرُباعِيِّ الأَيّام.

كما شكّل اسمُ "يسوعَ" مصدر قوّة كبيرة وتعزية، فَصَوَّرَهُ المسيحيونَ الأوائِلُ علامَةً للانتِصار. فَإنَّ الحَرفَينِ الأَوَّلَينِ لاِسمِ المسيح في اليونانيّة "XR " هُما عَلامَةُ الظَّفَر، وَأَنَّ الربَّ يسوعَ هوَ البدايَةُ والنهايَةُ "AW". وَأصبحَت كَلمةُ "سَمَكة" في اللُّغَةِ اليونانيّة Ichthys، ترمز إلى اسم الرّب، بحيث يُشَكِّلُ كلُّ حَرفٍ منها الحَرفَ الأوَّلَ لكلٍّ مِنَ الكلماتِ التالِيَة: "يسوعُ المسيحُ ابنُ اللهِ المُخَلِّص".

ويوجَدُ أيضًا جِدارِيّاتٍ في الدَيامِيسِ تُظهِرُ أنَّ الربَّ يسوعَ المسيحِ هو الراعي الصالِحُ، كَما قالَ عن نفسِه في إنجيلِ يوحنّا: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يوحنّا 10: 11). فهو يقيمنا من وادي ظلال الموت ويرفعنا إليه، ويحملنا على كتفيه.

هذهِ هيَ مسيرة قيامتنا مع يسوع منذ البداية. وما علينا إلّا أَن نُميتَ أنانِيَّتَنا، وَنَدفُنَ إنسانَنا القَديمَ مَع شَهواتِهِ وَآثامِه، وَنخرجَ مِن قبر ظلمتنا مع القائم. عندها يَسكنُ النورُ الإلهيُّ في نُفوسِنا، وتتحقّقُ القِيامة فينا.

إِلى الرَّبِّ نَطلُب.