في الأسابيع الماضية، طغى على بساط البحث الحديث عن سعي الجانب الفرنسي إلى الحصول على ضمانات رئاسية، من رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، خلال زيارته باريس، على أن يتولى نقلها إلى الجانب السعودي، الذي لا يزال على موقفه السلبي من معادلة المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، مفضلاً التركيز على المواصفات دون الأسماء.

ضمن الفترة نفسها، وجد الجانب الفرنسي نفسه أمام مجموعة واسعة من الإعتراضات المحلية على ما يطرحه، تحديداً من قبل الأفرقاء المسيحيين الرافضين لترشيح رئيس تيار "المردة"، حيث وجهت الدعوات إلى باريس لمراجعة سياستها تجاه لبنان، الأمر الذي أدى إلى بعض التراجع في هذا الإطار، لكن الأهم كان المعلومات عن أن نتائج زيارة مبعوث الرئيس إيمانويل ماكرون باتريك دوريل إلى الرياض، الأسبوع الماضي، لم تكن إيجابية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ ما يهم باريس هو الوصول إلى تسوية تضمن مصالحها، خصوصاً في ظلّ الرهانات التي تضعها بالنسبة إلى دورها في العهد الجديد، وهو ما كانت قد بدأت به منذ تاريخ الإنفجار في مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، وتلفت إلى أن طرح المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، يعود إلى قناعتها بأن هذا الأمر من الممكن أن يقود إلى تسوية طويلة الأمد، تكون هي أكبر المستفيدين منها.

وفي حين توضح المصادر نفسها أن الجهود الفرنسية، منذ إنطلاقتها، اصطدمت بالعديد من المطبات، أبرزها كان حين سقطت التسوية التي كانت تضمن وصول السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب إلى رئاسة الحكومة، ترى أن هذا الأمر يعود إلى إستعجال باريس الوصول إلى التسوية، من دون التنبه إلى العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في الملف اللبناني، التي تجعل من هذه المهمة شبه مستحيلة في حال لم تقم على أساس معادلة شديدة الدقة.

إنطلاقاً من ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أنّ باريس، التي كانت تطمح إلى لعب دور الوسيط، بات ينظر إليها، في الفترة الماضية، على أساس أنها تميل إلى فريق، أيّ قوى الثامن من آذار، على حساب باقي الأفرقاء، الأمر الذي يُفسر الإنتقادات الكبيرة التي تعرضت لها على المستوى المحلي، بينما على المستوى الخارجي لا يمكن تجاهل الرسائل التي كانت قد وجهت لها، وأبرزها العقوبات الأميركية على الأخوين تيدي وريمون رحمة.

على هذا الصعيد، ما ينبغي التوقف عنده، من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، هو أن باريس، التي لا تملك الأدوات الحاسمة في الملف اللبناني، خرجت عن الإطار الذي كان من الممكن أن تنجح فيه، أي الوساطة بين الأفرقاء المتخاصمين، سواء كانوا محليين أو خارجيين، الأمر الذي قد يدفعها إلى التراجع أكثر في الفترة المقبلة، لكن في المقابل تبرز العديد من المؤشرات على أنها قد تفقد هذا الدور.

في هذا الإطار، توضح المصادر نفسها أن معادلة الوساطة كانت تقوم بشكل أساسي على واقع القطيعة بين اللاعبين الخارجيين المؤثرين في الملف اللبناني، في حين أن الظروف الحالية، خصوصاً على المستوى الإقليمي، توحي بأن هؤلاء الأفرقاء ما عادوا بحاجة إلى هذا النوع من الوساطة، فالجانبين السعودي والإيراني، بعد إتفاق بكين، باتا قادرين على مناقشة جميع الملفات بشكل مباشر، وهو ما يبرر التطورات التي حصلت على مستوى الملفين اليمني والسوري.

بالنسبة إلى هذه المصادر، أي تطور على مستوى العلاقة بين الرياض وطهران، فإنه لبنانياً، قد يسهل الوصول إلى تسوية رغم الإعتراضات المحلية الواضحة، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى الجهود التي تقوم بها باريس، التي على ما يبدو لم تنجح في الإستفادة من الظروف الماضية، لا بل من الممكن الحديث عن أنها "تورطت" في تفاصيل ما كان عليها أن تدخل فيها.

في المحصّلة، هي وقائع جديدة تفرض نفسها على الإستحقاق الرئاسي والدور الفرنسي معاً، من دون أن يعني ذلك أن باريس لن تكون لاعباً أساسياً في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل حضورها البارز في ملف التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني.