لا يبدو ان سوريا مستعجلة للعودة الى جامعة الدول العربية. تعطي دمشق الاولوية للعلاقات الثنائية، وتحديداً بين دمشق والرياض، او بينها وأبوظبي، والقاهرة، وغيرهم من عواصم عربية. وهي علاقات سلكت حالياً في طريقها الطبيعي بعد جفاء طويل امتدّ سنوات، كان يُصنّف في خانة الاستثناء غير المنطقي ولا الطبيعي.

لم يُظهر الرئيس السوري بشار الاسد رغبة جامحة بالعودة الى الجامعة، لأن الكلام السوري للسعوديين والاماراتيين والجزائريين الذين يحاولون ان تكون دمشق في مقعدها العربي: لا تُحرجوا أنفسكم.

لكن هل يقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن تكون القمة في بلاده من دون حضور سوري؟ هناك مصلحة سعودية بأن يحضر الأسد شخصياً في قمة ستكون المنصّة العربية لتأكيد دور بن سلمان الريادي عربياً. ومن هنا فإنّ مساعي الرياض تصبّ في هذا الاتجاه، رغم وجود برودة عند دول قلقة من الغضب الأميركي، كحال جمهورية مصر التي تخشى ان ينعكس هذا الغضب في صندوق النقد الدولي، ويسبّب ضغوطاً اضافية على الجنيه، ومعارضة دول عودة سوريا بسبب حسابات سياسية: قطر لا تزال تشاكس الاندفاعة العربية تجاه دمشق، ليُصبح الملف السوري مساحة تباين شديد بين امير قطر تميم بن حمد ال ثاني وولي العهد السعودي. اما الكويت فهي تتجنّب مشكلة داخلية بسبب تنامي دور الاسلاميين السلفيين او مجموعة "الاخوان"، الذين يعارضون دمشق بشدّة، بينما شرط المغرب غريب، وهو يتعلق بالإعتراف المطلوب من سوريا بشأن سيادة المغرب على الصحراء، وهو ما لا تفعله سوريا.

لن تكون هناك فوائد جوهرية لعودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، سوى شكليات واعلان عربي رسمي شامل جامع بأن الازمة طُويت، خصوصاً اذا اطلّ الاسد بخطاب سيصنّف في خانة تتويج النصر الذي حقّقه على خصومه واعدائه.

لكن لا يوجد رغبة أميركية ايضاً بالسماح بتلك الخطوة، في وقت لا تزال فيه واشنطن تضع كل اثقالها لمحاصرة دمشق عبر العقوبات المفروضة على السوريين وفق قانون قيصر، ودعم المجموعات المسلحة في شرق سوريا، وعدم تشجيع مكوّنات كالاكراد للعودة الى حضن الدولة السورية، ومنع تسليم ثروات طبيعية الى دمشق.

لكن التأثير الاميركي خفّ وهجه، ولم تعد دول عربية تخضع له، خصوصا ان دولتين اساسيتين تُعتبران حليفتي واشنطن، الامارات والسعودية، حددتا الخيارات العربية تجاه سوريا وفقاً لمصلحة بلادهم وشعوبهم.

بدأت ابوظبي خيارها العروبي في اول المطاف، وتحمّلت سهاماً عدّة جرى تصويبها عليها من دول عربية وغربية، ليتبيّن ان رؤية رئيس الدولة محمد بن زايد ال نهيان هي الاصح، ثم مضت الرياض في ذات الطريق، لتُصبح سوريا حليفة الثنائي الخليجي العربي الأبرز : الامارات-السعودية.

واذا كان بن سلمان يسعى الى تثبيت زعامته العربية، فإنّ فرض عودة سوريا الى الجامعة، رغم معارضة قطر والمغرب والكويت، وبرودة مصر، سيُعتبر إنجازاً مهماً لولي العهد السعودي، ليبدأ مشواره العربي بثبات.