فاجأ رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ الجميع بمواقفه التي اطلقها اخيراً، والتي تم اختصارها بقطع الخيوط مع رئيس تيار المردة ​سليمان فرنجية​ من جهة، وتوجيه حملة قوية على فرنسا ورئيسها ايمانويل ماكرون على خلفية دعمها غير المعلن لفرنجية كرئيس للبنان.

محبو ومؤيدو جعجع رأوا في هذه المواقف رسالة واضحة بأنه ثابت على مواقفه ولن ينجر الى لعبة "الضمانات" ولا الى لعبة "التسويات"، فيما شدّد معارضوه على ان ما فعله ما هو الا صرخة مفادها انه وجد نفسه خارج اللعبة التسووية، وانه قلق من ان يعاني ما عانى منه في السنوات الماضية من عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون اذ بقي خارج "جنّة الحكم" من دون ان يستفيد شيئاً سوى انه حافظ على شعبيته التي كانت قد ظهرت في الانتخابات النيابية ما قبل الاخيرة، ولم يتمكن من احتكار الغالبية الكبرى من التمثيل المسيحي.

المفاجأة كانت بمواقف جعجع الاخيرة التي فسرها مصدر مطّلع يواكب حركة الاتصالات الرئاسيّة، انها تعطي انطباعاً وكأنّ رئيس القوات اللبنانية يتحدث باسم السعودية والولايات المتحدة على حد سواء، حين نعى امكان وصول فرنجية الى بعبدا، وحين قرر اطلاق النار مباشرة على فرنسا ورئيسها واتهامها بأنها انما تعمل لتأمين مصالحها في لبنان. ولاحظ المصدر ان هذا الكلام اتى في الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن ارتفاع حظوظ فرنجية الرئاسية، وعن تحرك فرنسي ناشط مع السعودية لتسهيل هذا الانتخاب،وانها المرّة الاولى التي يرفع فيها جعجع حدّة خطابه تجاه دولة خارجية وبالتحديد تجاه دولة كبرى هي فرنسا، التي تعرف بأنها "الام الحنون" للبنانيين والاقرب الى المسيحيين والتي لا تزال البطريركية المارونية تقيم قداساً على نيتها كل عام، وهذا ان دل على شيء فعلى مدى غضب جعجع من تسارع الاحداث والتطورات واتجاه الرياح الرئاسية، بحيث ان كل ما قيل عن تحوّله الى "صانع رؤساء" او ضمّه الى التسوية من خلال طرح وصول من يمثّله الى حاكميّة المصرف المركزي، بات في مهب الريح.

وتعتبر المصادر نفسها ان ما قام به جعجع هو خطأ تقديري وليس "َضربة معلم"لانه في لبنان، بات الجميع على علم بأنه لا يمكن قطع الخطوط مع احد، والا سيتحمل من يقوم بهذا العمل تبعات خطوته ويبقى خارج التسوية التي سيسير فيها الجميع عندما تحصل، يغرد وحيداً على غرار ما حصل مع القوات نفسها ومع حزب "الكتائب"، من دون ان يعني ذلك بالضرورة انه في الفترة المقبلة سيتمتع المقاطعون بنفوذ اكبر او يضمنون مكاناً لهم في التسويات المرتقبة.

وتذهب المصادر ابعد من ذلك، لتقول انه عندما تدق ساعة التسوية، فقد نشهد انضمام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اليها، او على الاقل عدد من نواب تياره او تكتله، فيما يراهن جعجع على ان خلاف باسيل-فرنجية اقوى من التسوية، وان التحول من شعار"اوعا خيك" الى شعار "انا وخيي على ابن عمي" لن يصمد طويلاً ليبقى رئيس القوات اللبنانية وحيداً في الساحة، والاكثر حدّة وقلقاً سيكون معاداة فرنسا له وعدم امكان السعودية والولايات المتحدة انقاذه من الحفرة التي وقع فيها، مع المحافظة بالطبع على حيثيته لانه من غير الوارد انهاء دوره ولا دورالحزب الذي يرأسه احتراماً للصيغة اللبنانية فيهذا السياق، التي تكرّس عدم اغلاق اي باب سياسي مهما كانت الظروف والامثلة كثيرة، ومنها على سبيل المثال: (منزل رئيس الحكومة الراحل صائب سلام، منزل رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، العونيون حين كان العماد ميشال عون في المنفى، والقواتيون حين كان جعجع في السجن...).

ويسأل المصدر عما اذا كان يملك جعجع معطيات مغايرة تماماً لما يقرأ به السياسيون وبعض الدبلوماسيين العرب والاجانب، والكفيلة بقلب الامور رأساً على عقب، والا فالسؤال سيتحوّل عمّا يمكن ان يقوم به للخروج من الحفرة التي وقع فيها.