يسعى القيمون على المستويات المتقدمة من الذكاء الاصطناعي إلى الترويج الإعلامي للثورة التكنولوجيّة الداهمة، معتمدين لذلك، وضمن خططهم الترويجيّة تلك، وسيلة تنظيم المعارض العلميّة، وضمنا إقامة أنشطة العُروض الترويجيّة...

وفيما تتوالى العروض في مجالات تقنيات الذكاء الاصطناعي، و"الروبوتكس"، والطباعة ثلاثية الأبعاد... يبقى الهدف من كل هذا المجهود، تعزيز مهارات التفكير العالي لدى المتعلمين.

وتُعدّ الطباعة ثلاثيّة الأهداف، إحدى تقنيات التصنيع، حيث تُنجَز القطع عن طريق تقسيم التصاميم ثلاثيّة الأبعاد لها إلى طبقات صغيرة جدا، باستخدام برامج الحاسوبيّة. غير أن ذلك يشترط استخدام الطابعات ثلاثيّة الأبعاد، عن طريق طباعة طبقة فوق الأخرى حتى يتكون الشكل النهائي.

والطابعات ثلاثيّة الأبعاد في العادة، أسرع وأوفر وأسهل في الاستعمال من التكنولوجيات الأخرى للتصنيع. كما وأن التكنولوجيات المتقدّمة للطباعة ثلاثيّة الأبعاد تنتج نماذج تشابه كثيرا منظر النموذج الأولي للمنتج وملمسه ووظيفته.

ولكن مثال "الطابعات الثلاثية الأبعاد"، يبقى واحدا من عشرات الوسائل في حُقول الاستثمارات المُتعددة المجالات... وضمنا في المجال التربوي!. بيد أن السؤال التربوي الملح يبقى: "كيف يُمكن استثمار "روبوت" الدردشة (ChatGPT) مثلا، في مُعضلة تعزيز مهارات التفكير العالي لدى المتعلمين؟... فالوسائل التكنولوجية المتنوعة باتت موفورة... ولكن الجهود تنصب على سبل الاستثمار التربوي الذكي لها!.

تعزيز التفكير العالي

في هذا الإطار يُمكن البحث في تعزيز مهارات التفكير العالي لدى المُتعلمين. فما هي مهارات التفكير؟.

نقطة البداية تكمن في التفكير التقليدي، البسيط، والذي يمكن أن يتعلق المتعلم مثلا بالوضع الحالي، ولكنه لا يتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك. ومن ثم يأتي التفكير الإبداعي، الذي يمتلكه من يرغب في الوصول إلى شيء مُحدد، وكذلك أيضا من يمتلك القدرات الذهنية الفائقة عن غيره. وبعد ذلك يأتي التفكير الناقد، القائم على تحليل عناصر الموضوع الذي يتم مناقشته، وكذلك أيضا تقييمها في شكل صحيح، حيث أنه يعتبر التفكير الذي تتميز به "عقول الناضجين"!. وأما "التفكير المعرفي"، فهو يعتمد على المعلومات التي تراكمت في ذهن الإنسان، وكذلك أيضا يكمن في التركيز وطرح الأفكار، وفي تصنيف المعلومات وفهم المعنى السليم لها.

تنمية المهارات

ولتنمية مهارات التفكير العالي لدى المتعلمين، لا بد من:

1-"تكليفهم" بمشروعات متنوعة، ويكون ذلك عن طريق تكوين مجموعات من الطلاب، ومن ثم يُطلب من متعلمي كل مجموعة، أن يُنجزوا بحثا في موضوع معين. وبذلك يتم مدّ هؤلاء بالكثير من المعلومات، حيث إنّ القيام بالبحث سيعزّز أيضا مهاراتهم المعرفيّة.

2-طرح الأسئلة على المُتعلّمين: وفي هذه الخُطوة يقوم المعلّم بالاعتماد على الأسئلة المفتوحة، المُتضمنة أكثر من إجابة واحدة... كسؤالهم على سبيل المثال: أين ترى نفسك بعد 5 سنوات؟ أو ما هو هدفك بعد التخرج؟... من شأن هكذا أنواع من الأسئلة، أن تساهم في تنمية مهارة التفكير.

3-الأسئلة الممتدة: كأن يُسأل المُتعلمون عن سبب اختيارهم إجابة تقدموا بها، أو سؤالهم عن تبرير إجابتهم. وتسهم هذه الطريقة في تعزيز التفكير المنطقي لدى المتعلمين... كما وفي توسيع المخيلة.

4-إعطاء المتعلمين الوقت الكافي للتفكير، لأن ذلك سيحميهم من التسرع في الإجابة. وكذلك يُساهم هذا الأمر في البحث عن الإجابة الصحيحة (20 ثانية للإجابة على الأسئلة المطوحة).

5-السؤال الجماعي: وبهذه الطريقة، يمكن أن يطرح المعلم سؤالا واحدا على مجموعة من المتعلّمين، بحيث يقوم كل منهم بالإجابة على السؤال من خلال ما يملكه من معلومات. ولكن إذا كانت الإجابة طويلة، يُستحسَن أن يطلب المعلم إلى المتعلمين أن يقوموا بجزء من الإجابة... وتُشجع هذه الطريقة المتعلّمين كلهم، على التفكير في الإجابة بأكثر من ردّ، وكذلك أيضا تخلق لديهم "نوعا جديدا" من أنواع التفكير.

6-النقاش والحوار والتفاعُل لتنمية مهارات التفكير: وهذه النقاط الثلاث من أهم أهداف تنمية مهارات التفكير العليا لدى المتعلمين. وهي تقوم على طرح موضوع محدّد، ومن ثم يُسمح لهم بتبادل وجهات نظرهم مع بعضهم البعض... ولكن يجب أن يتم ذلك من دون أي تدخُل من المُعلم.

تدخُل بشري لازم

وبعد كل هذه "المُستلزمات"، يبدو أن مهمّة الذكاء الاصطناعي ينبغي دعمها نفسيا وتربويا، لتحقيق الأهداف التربويّة... وتاليا لا بد من تدخل للتدبير العقلي البشري، ضبطا للإيقاع في مسيرة التدرّب الذاتي على مهارات التفكير العالي... إذ إن يَد "الروبوت" وحدها، لا تُصفق في هذا المجال!.