لم تتقدّم القوى السياسية خطوة واحدة في ملف انتخابات ​رئاسة الجمهورية​. واذا كان نائب رئيس المجلس النيابي ​الياس بوصعب​ يسعى لتسويق حل تسووي بين القوى اللبنانية، إستشعاراً منه بخطورة المرحلة السياسية، خصوصاً ازاء الفراغ الآتي ليتدرّج في مسؤوليات المؤسسات، وخصوصاً في المواقع المسيحية، فإن شروط القوى السياسية تُجهض ضمناً مساعي بوصعب.

يمكن وصف مهمة نائب رئيس مجلس النواب بأنها استكشافية في محاولة نبيلة وقيّمة في الزمن الصعب للوصول الى قواسم سياسية مشتركة، رغم ان القوى نفسها التي يسعى بوصعب لتقريب المسافات فيما بينها، كانت رفضت حواراً دعا اليه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ حول ذات الملف، مما يُعطي استنتاجاً أن مهمة نائب رئيس مجلس النواب ليست سهلة، ولن تصل الى نتيجة مع قوى سياسية لا تقرأ المتغيّرات لا الداخلية ولا الاقليمية.

لن يتراجع داعمو ترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ عن تبنّيه مرشحاً لانتخابات رئاسة الجمهورية، لا الآن ولا غداً، لأسباب:

اولاً، لا يوجد اتفاق بين خصوم فرنجية السياسيين، وتحديداً "الترويكا المارونية"(​القوات​، ​التيار الوطني الحر​، الكتائب) على مرشح منافس واحد ووازن.

ثانياً، ينطلق فرنجية من كتلة نيابية صلبة داعمة له، تضم نواباً من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق، مقابل تشتّت خصومه.

ثالثاً، يعتبر مؤيدو فرنجية انه احد اقطاب الموارنة الاربعة الذين كانوا يجتمعون في بكركي عام 2014.

رابعاً، يشكّل ضمانة سياسية وطنية تحاكي وجهة نظر حلفائه في ملفات النازحين والامن والاستراتيجية السياسية.

خامساً، يعتبر حلفاء فرنجية انهم في وضع اقليمي وداخلي مريح يُتيح لهم دعم وايصال رئيس للجمهورية.

سادساً، قناعة الفرنسيين بأهمية وصوله، بغياب الاتفاق المسيحي والوطني على بديل واحد.

بالمقابل، تعارض "الترويكا المارونية" وصول فرنجية، لأسباب خاصة بكل فريق منها، رغم ان جميعهم سيعارضون اي مرشح اخر منهم ايضا، ولا يتفقون على اسم آخر.

ومن هنا تُسجل محاولات لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لطي صفحة فرنجية، لأسباب شخصية اكثر مما هي سياسية، ثم اجراء تسوية بعدها مع "​حزب الله​"، وهو ما يرفضه الحزب المذكور ويصرّ على تبني ترشيح فرنجية. ويضع داعمو رئيس "المردة" وتحديداً الحزب المذكور معادلة عملية: لا تراجع عن دعم ترشيح فرنجية مهما طال الزمن.

اما حزب "القوات" فينتظر اشارات سعودية لم تظهر بعد، خصوصا بعد ممارسة المملكة سياسية النأي بالنفس، كي لا يترتّب عليها مؤازرة مالية للبنان، لكن الرياض لا تضع "فيتو" لا على فرنجية ولا غيره. ولماذا تضع "الفيتو"، طالما تصالحت مع طهران ودمشق الداعمتان لرئيس "المردة"؟ لذا، رفع رئيس "القوات" سقف خطابه مسبقاً لإحراج حلفائه، ومنعهم من الضغط او التمني عليه لتعديل موقفه.

سيكون لبنان في مساحة الانتظار، ويشهد تحرّكات داخلية وخارجية مهمة، كمحاولة بو صعب الوطنية لتقريب المسافات السياسية للوصول الى تسوية داخلية. لكنّه ينجح شخصياً، وستفشل مهمته بسبب الشروط المتبادلة التي تضعها القوى السياسية.