أشار نائب المنسقّة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان، المنسّق المقيم ومنسّق الشّؤون الإنسانيّة في بيروت، عمران ريزا، إلى أنّ "هناك ثلاثة مستويات من القراءة التي يجب النظر إليها في ملفّ النزوح/ اللجوء. الأول، هو الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في 2019، وتتسارع وتيرته اليوم وينعكس في ضعف الدولة وتراجع قدراتها والانقسام السياسي، الثاني هو واقع النزوح السوري من بدايته إلى اليوم، والثالث هو التأثيرات الدولية والإقليمية، إذ تنعكس تلك التطورات على الدولة اللبنانية وعلى عمل الأمم المتحدة؛ من دون أن يكون للجهتين تأثير كبير في مجريات الأمور".

وأوضح، في حديث إلى صحيفة "الأخبار"، أن "الانهيار الاقتصادي وما تبعه في أزمة "كورونا" ثمّ في انفجار بيروت، خلق حاجات كبيرة، وأكثر بكثير من القدرة، وخلق توقعات أكبر من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بينما هذه الأمور من مسؤولية الدولة"، مبيّنًا أنّ "الحصول على الدعم المطلوب أو جزء كبير منه، لن يتمّ من دون إصلاحات يعرف جميع اللبنانيين أن هناك حاجة إليها، لكي تعود الأمم المتحدة إلى تنفيذ مهام التنمية، وليس المهام الإنسانية".

ولفت ريزا إلى أنّ "في الشق الثاني، حول واقع اللجوء السوري، فإن الأغلبية العظمى من السوريين انتقلوا إلى لبنان بسبب الحرب التي اندلعت قبل 12 عاماً، لكن أيضاً هناك ما بين 300 إلى 500 ألف سوري يقيمون في لبنان بشكل دائم، أو يتنقلون تبعاً للنشاط الاقتصادي، ويرفدون سوق العمل اللبنانية باليد العاملة".

وذكر أنّ "مع مرور الوقت، تغيّرت النظرة اللبنانية عموماً إلى النازحين، من التعاطف بسبب الحرب، ثم إلى الشعور بالمنافسة. في المنطقة عموماً، حصل عدد من موجات النزوح أو اللجوء، وهناك ثقافة عامة لإغاثة المتضررين وقيم أخلاقية مشتركة تحكم الإقليم. لكن الأزمات الاقتصادية بدأت تبدّل هذه النظرة وتحرك الهواجس الديموغرافية، وكل هذا سببه غياب الاستراتيجية المشتركة بين اللبنانيين، وبين الحكومة والمنظمات المختلفة، وليس فقط مع مفوضية شؤون اللاجئين".

وكشف، تعليقًا على الاجتماعات التي جمعت ممثلين عن الأمم المتحدة واللجنة الوزارية المكلّفة متابعة الملفّ، أن "الوصول إلى ورقة النقاط التسع خطوة مهمة"، منوّهًا إلى أن "الحكومة طلبت تبادلاً للمعلومات بينها وبين المنظمات الدولية". وأفاد بأنّ "عملية تبادل المعلومات كانت دوماً موجودة، لكن بفاعلية أقل من المطلوب"، مشيرًا إلى أنّ "ممثلي الحكومة تحدّثوا عن نازحين يذهبون إلى سوريا ثم يعودون إلى لبنان، وإذا كان يصحّ معاملتهم معاملة اللاجئ، فنحن لا نعرف من هم أصلاً أولئك الذين يذهبون ويعودون. ثم هناك مشكلة الوافدين الجدد".

وشدّد على أنّ "المهم هو وضع آلية تنسيق عملية لمعالجة الملف طبقاً للواقع الجديد، والحكومة اللبنانية لديها الأنظمة والقوانين لمعالجة الخروقات. يجب أن يعرف اللبنانيون أن الأمم المتحدة لا تشترك في مؤامرة توطين النازحين في لبنان، بالنسبة لنا اللاجئون سيعودون إلى ديارهم، والسؤال ليس إن كانوا سيعودون أم لا، إنّما متى وكيف".

وشرح أنّ "في المستوى الثالث، ترتبط مشكلة النزوح في لبنان بالعلاقات السياسية بين سوريا والدول الأخرى، ويشترك بالمسألة الجميع تقريباً، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والروس والألمان وغيرهم كثر، عدا عن الدول الإقليمية. كلهم معنيون بالأمر وهذه المشكلة الأكبر. هناك أجواء "إيجابية" بما يحكى حول التطورات السياسية في المنطقة بما قد ينعكس إيجاباً على ملفّ اللجوء، لكن هناك أسئلة حقيقية حول لماذا لا يعود السوريون طوعاً إلى سوريا؟".

وأوضح "أنّنا عندما نسأل النازحين في استطلاعات الرأي، تظهر مشكلات عدة مثل الدمار الهائل في المناطق التي ينحدرون منها وأزمات غياب الخدمات الأساسية والخوف على المستقبل اقتصادياً، لكن هناك مشكلات أيضاً أساسية متعلّقة بالأمن والخدمة العسكرية والقلق من مسألة المُلكية. هذه الأمور ليست في يد الأمم المتحدة، إنّما في يد الحلّ السياسي في سوريا، ويجب أن يحصل حوار بناء".

وجزم، تعليقًا على المعلومات التي تنتشر بين اللبنانيين، حول حصول النازحين السوريين على بدلات بالدولارات الأميركية، بينما يحصل المستفيدون اللبنانيون من برامج المساعدة على الدعم بالليرة اللبنانية، أن "هذه المعلومات خاطئة مئة في المئة"، مؤكّدًا أنّ "منذ عام 2019، يحصل السوريون في لبنان على المساعدات بالليرة عبر برنامجَين، الأول لدعم الطعام والثاني للدعم غير المخصّص للطعام. مجموع ما تحصل عليه العائلة السورية، خلال الشهرين الأخيرين مثلاً لم يتجاوز ما قيمته 8 ملايين ليرة لبنانية، أي نحو 80 دولاراً في الشهر لعائلة مكوّنة من خمسة أفراد، علماً بأن النازحين يحتاجون إلى دعم غير مخصص للطعام أكبر من اللبنانيين كون السوري لا يقيم في منزله".

وكشف أنّ "اللبنانيين يحصلون من برنامجين مختلفين أيضاً، على مبالغ تصل إلى أقل من 200 دولار شهرياً، بمجموع 45 دولاراً للمساعدة غير المخصصة للغذاء، و25 دولاراً عن كل فرد في العائلة للدعم الغذائي في العائلات التي يصل عدد أفرادها إلى ستة. أما حول التعليم والتربية، وبالرغم من كل الاتهامات حول محاولة دمج الطلاب، لا يذكر اللبنانيون أن المشاريع التي يتمّ دعم المدارس عبرها، يستفيد منها اللبنانيون وغير اللبنانيين، لا سيمّا دعم الوقود والطاقة الشمسية وغيرها من المساعدات".

واعترف أنّ "لبنان، الذي يتحمّل وجود ما يقارب ثلث عدد السكّان من النازحين، يعامل النازحين بطريقة أفضل من بعض الدول المنضوية في اتفاقية اللاجئين ويراعي القوانين الدولية".