يتأثر إلى حد بعيد مسار ’’التسويات العامة في الشرق الأوسط‘‘ الذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية بأحداث السودان والمواجهة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتوقيت هذه ’’المواجهة‘‘ فيه شيء من الإرباك لقوى دولية واقليمية متعددة وتحويل للأنظار عن انعكاسات التقارب الايراني – السعودي الذي تريده واشنطن محكوما بتوجهاتها لا منفلتا في مداه وتداعياته.

ثلاث جهات عربية تتأثر مباشرة بما يجري في السودان. المملكة العربية السعودية التي تجد نفسها أمام انشغالات جديدة هدفها لجم اندفاعاتها المستقلة. مصر التي ستعاني من ثقل عبء الوافدين السودانيين إليها هربا من القتال بحكم استمرار المواجهات العسكرية الطويلة. الإمارات العربية وانكشاف الصراع الخفي لها مع المملكة العربية السعودية بعدما تبين أنها الخاسرة في التسوية المحتملة في اليمن. أما الجهات الدولية على اختلافها فإنها تعيد حساباتها في السودان وخصوصا أن الصين وروسيا وفرنسا وظفت الكثير من إمكانياتها واستثماراتها هناك غير أنها اكتشفت أنها لم تحصّن حضورها الإقتصادي والمالي بقواعد عسكرية. على الأقل كان هذا وضع الصين في بورتسودان فيما زرعت واشنطن عشرات القواعد العسكرية في البر الافريقي وفي المضائق البحرية وأوفدت إلى المنطقة بحاملة طائرات تتسع لمئة طائرة حربية وتحمل 15 ألف جندي مارينز. وهكذا فإن المواجهة العسكرية في السودان وهي لغم ميداني لسبع دول مجاورة للسودان يكشف أن ثغرة الصين هي في عدم حماية توسعها الإقتصادي والمالي بقواعد عسكرية كما أن نقطة الضعف الفرنسية هي في اضطرار باريس إلى مواجهات عسكرية خاسرة في دول افريقية كانت محسوبة عليها. وأما روسيا فإن حضورها العسكري من خلال ’’فاغنر‘‘ فيبقى محدودا ولا يستطيع الإستمرار في بيئات متناحرة وجهوية مختلفة وإتنيات لا ثقة بينها وافتقار إلى مواطنة واحدة. هذا عدا عن أن الربط بين ’’فاغنر‘‘ و’’قوات الدعم السريع‘‘ ليس أكيدا كما أنه في حال حصوله يتقاطع مع كون واشنطن تستفيد عمليا من رئيس قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو ’’حميدتي‘‘ الذي يمثل الحصان الرابح للولايات المتحدة الأميركية لخلط الأوراق ليس في البيئة الأفريقية وحدها وإنما في الشرق الأوسط أيضا سواء أدرك ذلك أم لا. فالسودان هي مركز الطاقة الواعدة والمتنوعة والمختلفة دوليا وواشنطن تريد احتكارها لوحدها.

وفي المعلومات أنه ما لم تدرك بعض الدول العربية والخليجية أبعاد ما يجري في السودان فإنها معرّضة خلال الشهرين القادمين إلى أحداث غير متوقعة تريد من خلالها واشنطن أن تكرَّس كونها الفاعل الرئيسي بين قوى اقليمية ثلاث أضعفتها وهي تركيا وايران واسرائيل. وهذا يعني في الحسابات الأميركية لا ينبغي على الرياض أن تندفع أكثر من اللازم باتجاه طهران كما ينبغي على الصين أن تعيد النظر بحساباتها الافريقية والمتوسطية وأن تبقى في دائرة بحر الصين. وكذلك على ايران أن تنكفئ في المحيط الاقليمي إلى الحدود المقبولة.

من كل ذلك أين يكون لبنان وانتخاباته الرئاسية في ’’المعادلات السودانية‘‘؟ يلمس المراقب السياسي أن كل من طهران والرياض يتريثان في إعلان موقف واضح من الإنتخابات الرئاسية اللبنانية باعتبار أن ذلك أمرا يعود ’’القرار فيه للبنانيين أنفسهم‘‘. وهذا التريث المدروس مردّه الغموض الأميركي وما إذا كانت واشنطن تعتبر إجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية مدخلا للحل أم استمرارا للأزمة. وكل ذلك مربوط بشخص الرئيس ولونه السياسي والإقتصادي والأمني.