في العام 2018 دفع فراس مبلغ 5 آلاف دولار، دفعة أولى، لشراء سيارة، وقد حصل على "وصل" بقيمة المبلغ لحفظ حقّه، ولم تصل السيارة. مرّ الموعد المتفق عليه بين الرجلين ولم تُنجز عملية الشراء، وبدأت المماطلة حتى قرر الشاب التوجه الى القضاء لتحصيل حقه فوجد أن البائع امتهن "النصب" وقام بالعملية نفسها مع اكثر من شخص، وأعلن عدم قدرته على تأمين السيارات ولا ردّ المبالغ الماليّة، فتم سجنه لخمسة أشهر، وخرج.

لم يحصل فراس ولا غيره على المال الذي دفعوه، فالنصّاب لا يملك شيئاً باسمه لبيعه ودفع الحقوق للناس، وهذه الحالة تشبه عشرات الحالات الأخرى التي يشجّع فيها القانون على عمليّات النصب، خاصة أنها مربحة للغاية، وهذا ما حصل مؤخراً في بيروت.

في 18 آذار انتشر خبر عن قيام مواطن بعمليّة نصب واحتيال كبيرة وقع ضحيّتها أشخاص من صيدا وإقليم الخروب ودوحة عرمون، وذلك بعد إقناعهم أنّ بإمكانه تنفيذ عمليات صيرفة عنهم خلال أيام معدودة، ليجمع منهم المال ويتوارى عن الأنظار من دون إبلاغ عائلته، وبحسب المعلومات أن النصّاب كان عنصراً امنياً، لكن في الوقت نفسه، منتصف شهر آذار الماضي، حصلت عمليّة نصب أخرى في بيروت، بطلها شاب اقترب من عمر الثلاثين م. ح، خان أقرب المقربين إليه، بحسب ما علمت "النشرة"، علماً أن البعض يتحدّثون عن الترابط ما بين عمليتي النصب.

كان الشاب يعمل في شركة تأمين، ويملك أحد أقاربه محلاً للذهب، فكان أيضاً عاملاً في سوق الذهب. كان يُجري لهذه الشركة عمليات شراء للدولارات بشكل يوميّ، وهكذا صدّق بعض أصدقائه والمقربين إليه عمله، ووضعوا بين يديه مبالغ مالية صغيرة ليشتري عبرها العملة الخضراء ويبيعها للشركة يومياً، لكن الشاب بعدما بات يرى الدولارات أمامه فُتحت شهيّته على الكسب الكبير والسريع، فدخل في عمليّات كبيرة للغاية، وهو ما أوصله الى "النصب" على أصدقائه وجيرانه، وحتى أقاربه.

في 17 آذار غاب هذا الانسان عن سمع الأشخاص الذين كان وعدهم بتأمين أموالهم، وأخرج خطّه الهاتفي من الخدمة، وهرب الى بلدته الجنوبيّة بعدما أبلغ والده وأعمامه بأنه خسر كل الاموال التي كان يشغّلها، دون أن يقول كيف ومتى ولماذا، مع العلم أنه لم يكن قد أبلغهم بالحقيقة كاملة حول الأسباب وحجم المبالغ.

بعدما غاب عن السمع، تحوّل منزله في منطقة البسطا الى محجّة للدائنين الذين لم يكن فيهم إلا شخص واحد قد أعدّ "ورقة دين" موقّعة من الشاب، وبدأت مطالبتهم بالأموال التي تبيّن بحسب كلام العائلة أن قيمتها تتجاوز الـ300 ألف دولار.

وعدت العائلة بفعل ما بوسعها لدفع الأموال، علماً أن "النصّاب" لم ينفِ حصوله على هذه المبالغ لتشغيلها، ومنها مبالغ كبيرة تصل الى حوالي 30 و40 ألف دولار، وبينها مبالغ صغيرة تقلّ عن ألف دولار، وأكدت أنها ستبيع أملاكها لدفع الأموال، وفعلت ذلك بالجنوب حسب قولها، وأنّ من يرغب بإمكانه التوجه الى القضاء والمطالبة بحقّه، علماً أنّ النصّاب لا يملك شيئاً لوضع اليد عليه.

كانت العائلة تعلم أن أحداً لا يملك ورقة رسميّة، سوى شخص واحد، وتعلّم أنّ بمثل هذه الحالات فإنّ كل ما يطمح إليه الذين تعرضوا للنصب هو الحصول على المال، والأهم أنها تعلم أن أحكام القضاء بحالات مشابهة ضعيفة للغاية، لذلك بدأت مفاوضات العائلة مع هؤلاء للوصول الى تسويات بخصوص مبالغهم، فعرضوا عليهم ثلث المبالغ المتوجّبة لهم تقريباً، ومن يرضى يوقع على براءة الذمة، ومن لا يرضى فليجرّب حظه في القضاء.

الشاب الذي كانت الورقة الموقّعة من "النصاب" بحوزته، وبحسب معلومات "النشرة" عُرض عليه 3500 دولار من أصل 7500، رضي بها بعد استشارته المحامي، الذي أكّد له التالي: يمكننا الادعاء جزائياً بجرم إساءة الأمانة، وعندها نكون أمام خيارين، إما رضوخ العائلة لمنع سجن إبنهم وزيادة المبلغ، وإما التسليم بسجنه لأسابيع قليلة وعندها يسقط الحقّ.

ما قاله المحامي هو ما ينصّ عليه القانون اللبناني، وهو ما يشجّع على عمليات النصب، فالنصاّب لا يخشى القانون، وكل ما عليه فعله هو تجنّب النصب على مجرمين، لا يمانعون "القتل" بحال تمّت السرقة منهم.

هذا الشاب الذي نصب مبالغ تفوق الـ300 ألف دولار، ويقول إنّه خسرها دون دليل أو حجة مقنعة، سيُنهي أزمته من خلال دفع ثلث المبلغ تقريباً، وربما يصبح ثرياً بعد ذلك، حراً طليقاً.