ذكرت صحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "التطورات المُتسارعة على أكثر من خطّ إقليمي، فرضت تمديداً جديداً لإقامة الملف اللبناني في دائرة مراوحة يخشى ان تكون طويلة الأمد، في انتظار جلاء الصورة التي سترسو عليها تلك التطورات، إن بالنسبة الى ما يتعلّق بالاتفاق السعودي الايراني وما اذا كانت ارتداداته الايجابية ستلفح لبنان، أو بالنسبة الى ما يتعلق بالمَسار المُتسارِع لإعادة صياغة المشهد العربي خارج دائرة التوتر".

وأوضحت أنّ "الثابت في هذا الجو، أن لا سقف زمنياً لهذه المراوحة، الا اذا برزَ عامل داخلي يكسرها ويدير الدفة في اتجاه الحسم الايجابي لهذا الملف، وهو أمر لا يمكن إدراجه في دائرة الاحتمالات الواقعية، ربطاً بالبلوكات السياسية التي أحبطت كل الجهود الصديقة والشقيقة التي سَعت لكسر المراوحة السلبية للملف الرئاسي في دائرة التعطيل".

لا حل داخلياً

وركّزت على أنّ "المجريات السياسية المرتبطة بالملف الرئاسي، والفجوات التي تتعمّق على مدار الساعة بين مكونات الانقسام الداخلي، تجعل الرهان على بروز عامل داخلي يدفع الى انتخاب رئيس للجمهورية، أشبَه بالرهان على سراب، خصوصاً انّ هذه المكونات يبدو انها حكمت على رئاسة الجمهورية بالتعطيل الدائم، وقررت ان تتعايَش مع الوضع الشاذ الى آجال طويلة، حيث انها أسرت نفسها بمواقف ارتفعت فيها الى المدى الأبعد في فرش الطريق الرئاسي بالالغام السياسية، من دون ان تترك امامها مجالاً لخط الرجعة الطوعية الى ارض الواقع".

تبعاً لذلك، أكّد مرجع مسؤول لـ"الجمهوريّة"، أن "الأفق الداخلي مسدود، ويؤكد بما لا يقبل أدنى شك ان لا حل رئاسياً من الداخل اللبناني، الذي لم يعد معنياً سوى بالمبالغات والتوتير السياسي والاعلامي".

ولفت إلى أنّ "الداخل مفتوح على شتى الاحتمالات السلبية، خصوصاً انّ مكونات الداخل لم تتّعِظ بعد، بل لم تسلّم بعد بفشلها، وبمكابراتها التي ضيّعت الملف الرئاسي في الشعبويات وحرمت لبنان من فرصة توافق على انتخاب رئيس صنع في لبنان، وعن قصد وقصور ومراهقة في مقاربة الملف الرئاسي، امتدت على ما يزيد على ستة اشهر من الفراغ في سدة الرئاسة، لم يخرج هذا الملف من يدها فحسب، بل أخرجَت نفسها من الدور المقرّر فيه، وباتت تلقائياً في مواقع المَركون على هامش الملف الرئاسي في انتظار ما سيقرره الخارج حوله، الذي يغطي نفسه بالعويل والصراخ، في انتظار ما سيتقرر من الخارج حول مصير الملف الرئاسي".

ما بعد القمة

أشار مصدر دبلوماسي غربي، لـ"الجمهوريّة"، إلى أنّ "أفق الرئاسة في لبنان ما زال مفتوحاً على انفراجات في المدى المنظور"، مبيّنًا أنّ "لبنان احتلّ موقعا متقدما في سلّم الاهتمامات الدولية، وما زلنا نراهن على ان تُثمر الجهود القائمة انفراجات في لبنان، ولقد أبلغنا المستويات اللبنانية جميعها بأنّ عليها واجب الانخراط في مسار الحسم النهائي، والتفاعل الايجابي والواقعي والعقلاني مع أي مسعى توافقي يكسر الفراغ في سدة الرئاسة، ويؤسّس الى انتخابات رئاسية خلال بضعة اسابيع، وهذا ما نتوقعه في نهاية المطاف".

وأكّد أنّ "الحراك الخارجي والفرنسي تحديداً المرتبط بالملف الرئاسي في لبنان، لم يفقد زخمه، خلافاً لما يجري الترويج له من الداخل اللبناني، بل انه دخل حاليا في ما يُشبه استراحة قصيرة ومؤقتة، الى ما بعد انعقاد القمة العربية المقرر عقدها في التاسع عشر من ايار الجاري في السعودية، حيث انّ ما قد يصدر عن هذه القمة في شأن لبنان يشكّل عاملا مساعدا يُبنى عليه لتزخيم الجهود أكثر؛ ودفع الفرقاء اللبنانيين الى التوافق على رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن".

لا يحتمل الانتظار

في الوقت الذي تعالت فيه بعض الاصوات الداخلية والقراءات السياسية، التي رَحّلت الملف اللبناني الى ما بعد ترتيب الملفات الشائكة في المنطقة، شدّدت مصادر دبلوماسية عربية لـ"الجمهورية"، على أنّه "ليس من الحكمة الركون الى تفسيرات وتحليلات وقراءات قد تكون مُجافية للواقع. فمّما لا شك فيه انّ المستجدات التي برزت في المنطقة، تشكّل حدثاً أقرب الى الانقلاب في الصورة عما كانت عليه في زمن التوترات الذي استمرّ لسنوات طويلة. ولعل هذه المستجدات تحظى باهتمامات الدول المعنية بها، خصوصاً انها تشكّل عاملا تبريديا لإطفاء نقاط التوتر القائمة على مستوى العلاقات العربية العربية، او على مستوى العلاقة بين السعودية وايران، والملفات الاقليمية التي تعني الرياض وطهران".

ولفتت إلى أنّ "وضع لبنان مختلف، وليس مرتبطاً بتلك المستجدات، سوى من زاوية انه قد يستفيد من الانفراجات التي تحصل، علماً انّ من السابق لأوانه تحديد حجمها او مداها. ومن هنا، فإنّ تزخيم الحراك في اتجاه لبنان لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة لما يتطلبه الوضع في لبنان والمدى الخطير جداً الذي يهدّد استمراره، في ظل أزمة تتعمق الى حد تكاد تصبح فيه ميؤوساً منها؛ فضلاً عن انه جاء موازياً لحركة الاتصالات العربية والاقليمية ولم يتأثر بها".

وركّزت المصادر على أنّ "لا احد على المستوى العربي او الدولي يعتبر ان لبنان خارج دائرة الاولوية، بل على العكس هو في صلبها. ومن هنا، فإنّ ثمة معطيات اكيدة بأن ملف لبنان سيكون قريباً محل مواكبات على اكثر من مستوى عربي ودولي، وتزخيم مقاربته التي تجلّت في الايام الاخيرة في الحراك الدبلوماسي المكثّف الذي تقوده باريس على اكثر من خط داخلي وعلى مستوى الدول الصديقة، واندرَجَ في سياق مكمل له حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في اتجاه المستويات السياسية والروحية في لبنان، سيستتبِع على اكثر من مستوى، فهو من الاساس انطلقَ على قاعدة انّ وضع لبنان بات يتطلب علاجات سريعة تواكب التطورات الاقليمية المتسارعة، لا بل تُلاقيها، وعلى هذا الاساس ستستكمل الجهود؛ خصوصاً ان لبنان بلغَ من الضعف والوهن حدّاً لا يحتمل مزيداً من الانتظار".

سيناريوهات وهمية

رأت مصادر مسؤولة، عبر "الجمهوريّة"، أنّ اللافت هو "تعمّد بعض الأفرقاء الداخليين إسقاط تفسيرات وتحليلات غير واقعية، على حركة الاتصالات الاخيرة، وخصوصاً على حركة السفير السعودي في لبنان، عبر إسقاط أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية، وإعلاء اسهم مرشحين آخرين".

وأشارت إلى أنّ "اللبنانيين أثبتوا انهم الأقدر على صياغة سيناريوهات وهمية، فالحركة السياسية والدبلوماسية الجارية لم تتوقف، وهي في الاساس لم تُقارب اي اسم مطروح، بل انتهجَت مساراً حدّدت من خلاله خريطة الطريق التي لا مفر للبنانيين من سلوكها، جوهرها الاساس حَمل اللبنانيين على التسليم بحتمية إجراء الانتخابات الرئاسية وفق مندرجات الدستور اللبناني. أي ان يمارس مجلس النواب دوره في اختيار الرئيس، في جو ديمقراطي وتنافسي، من بين مجموعة مرشّحين".

السعودية لم تروِ غليل "الرماديين"!

ذكرت صحيفة "الجمهوريّة" أنّ "منذ أشهر، واللبنانيون ينتظرون الترياق الرئاسي من الخارج، تعويضاً عن عجزهم الفاضح وإخفاقهم الفاقع في معالجة شؤونهم بأنفسهم. وعلى رغم كل المحاولات الشكلية للبننة الاستحقاق خلال الأشهر الماضية، الا انّ غالبية الجهات السياسية كانت تترقّب ضمناً "كلمة السر" العابرة للحدود، وهذا لم يعد سراً".

وبيّنت أنّه "عندما حصل الاتفاق السعودي- الايراني والتقارب السعودي- السوري، افترض كُثر انّ "كود" بوابة قصر بعبدا سيصل بالبريد الدبلوماسي قريباً الى الكتل النيابية، ما دام المتنازعون في الإقليم، وهم من أصحاب النفوذ القوي في لبنان، قد اتفقوا على معالجة خلافاتهم او تنظيمها. غير انّ الناخبين الكبار فاجأوا القوى الداخلية، بل أحرجوها، بامتناعهم حتى الآن عن النزول بكل ثقلهم في صندوق الاقتراع، واكتفائهم بإسداء النصح لها بأن تتوافق على اسم الرئيس المقبل، من دون أن يكون هناك ضغط حقيقي عليها لدفعها الى الانخراط في تسوية معلبة".

وركّزت الصّحيفة على أنّ "اللافت انّ السعوديين والايرانيين تقاطعوا بعد تقاربهم، عند دعوة اللاعبين المحليين الى تحمّل مسؤولياتهم في اختيار الرئيس المقبل، انطلاقاً مِن كَون هذا الاستحقاق هو شأن سيادي لبناني، علماً انّ هناك من يعتبر انّ تفادي الخارج حتى الآن إصدار "أمر المهمة" رئاسياً على قاعدة نفّذ ثم اعترض، إنما يعود إلى أنّ اللحظة المؤاتية لم تكتمل بعد لإنتاج تسوية اقليمية دولية متكاملة حول هوية الرئيس وجدول اعماله، الأمر الذي أعاد توسيع رقعة المناورات الداخلية".

وشدّدت على أنّه "يبدو انّ بعض النواب "الرماديين" خابَ أمله في الطرح السعودي "المطّاط" الذي ترك هامشاً للدور الداخلي، وفق معادلة انّ الرياض لا تضع "فيتو" على مرشح ولا تدعم مرشحاً، وإنما تترك للبنانيين ان يتوافقوا على رئيس، ثم تحدّد هي موقفها منه تِبعاً لسلوكه وخياراته".

وأشارت إلى أنّ "هذه المقاربة القابل تفسيرها لأكثر من اجتهاد، أدّت الى ازدياد الحيرة في صفوف المترددين، الذين كانوا يتطلعون الى ان تكون السعودية أكثر حسماً في خيارها وأن تحدد بلا التباس اتجاه البوصلة التي تقود الى قصر بعبدا، الّا انّ ذلك لم يحصل، فأصيب النواب المترقّبون لإشارة سعودية واضحة وقاطعة بـ"دوار سياسي".

كما أفادت بأنّ "أحد هؤلاء النواب يقول مازِجاً بين المزاح والجد: السفراء والموفدون حيّرونا وضيّعونا ولم نعد نعرف ماذا نفعل ومن نسمّي... السعودي والقطري والاميركي والايراني يعتبرون في أدبيّاتهم انّ انتخاب الرئيس ينبغي أن يتم بالتوافق الداخلي، والداخل المُشتّت والمُبعثر أعجز من ان يتفاهَم وحده على مرشح واحد. ويضيف مع ضحكة مرّة: بصراحة وصدق، ما يجري حالياً هو ان لا نحن كلبنانيين نعرف ان نختار الرئيس ولا الفاعلون إقليمياً ودولياً يختارونه لنا، ولا هم أيضا يزيحون من الدرب!".