في عصر "الثورة التكنولوجية الرقمية"، باتت الأخبار الكاذبة تظهر بحلة جديدة، تُعرف إنكليزيا، باسم: fake news، بفعل التقنيات التي أتاحت النشر على نطاق واسع...

ومُخطئ من يظن في عصرنا، أنه قد "اكتشف" الحقيقة... لأن ما نفعله، إنما هو -في وسط هذا الكمّ من الأخبار المنتشرة- أن نختار المعلومة الصحيحة...

ولهذه الأسباب، حين نتقصى الحقائق، ينبغي ألا ندعي أننا وجدنا "الحقيقة الصحيحة"... بل استقيناها واخترناها!...

"عراقة" الأخبار الكاذبة

بالعودة إلى "حرب العوالم"، في العام 1938، أي قبل نشوء "الثورة التكنولوجيّة الرقمية"، بنيف وقرن من الزمن، يوم أطل المُقدم الشاب أورسن ويلز، عبر برنامج إذاعي عن "مسرح مركوري على الهواء"، ليُطلق خبرا كاذبا هو في حجم القنبلة، وقد بثها آنذاك بأسلوب "الأخبار العاجلة" التي تقطع برامج الإذاعة، لتنقل على أثير الـ"سي بي أس" الأميركية، تفاصيل غزو مزعوم يقوم به أهل المريخ لكوكب الأرض، ما يعني تاليا، أن "حرب العوالم" قد بدأت فعلا!...

وكانتشار النيران في الهشيم، انتشر الخبر الكاذب بين مئات آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة، الذين صدقوه فسبب لهم الذعر... ونقلت الروايات أخبارا عن تدافع عائلات بأسرها إلى الملاجئ، وأخرى إلى المخازن الكبرى لشراء المؤونة... كما وانهالت المكالمات الهاتفية على دوائر الشرطة الفيديرالية والمحلية. وفي الأيام اللاحقة، وبعدما تبين للجميع أن الأمر لم يتعد كونه عملا فنيا، راحت عيادات الأطباء النفسيين، تمتلئ بأشخاص استبد بهم الرعب، وبآخرين قرروا أن يتطوعوا بفحص أنفسهم سيكولوجيا، لمجرد أنهم شعروا خلال إذاعة الحلقة، بكل ذلك "الرعب"...

وقتها تدخلت السلطات الأميركية، وأجرت تحقيقا في الأمر... ولكنها وجدت أن المُخرج والمحطات الإذاعية، لم يخرقا أي قانون، ما اضطرها إلى وضع قوانين جديدة منعا لتكرار الأمر...

حرب العوالم اللبنانية

كأننا في لبنان، نعيش اليوم، ما عاشته الولايات المتحدة في "زمن حرب العوالم"، بكل تطابقاته كما وفي تعارضاته!...

فبين أميركا الأمس، ولبنان اليوم، غزو!.

ولكن غزو أميركا من كوكب المريخ... وغزو لبنان من أقرب المقربين إليه جغرافيا!...

غزو أميركا المزعوم في إطار حرب العوالم، وغزو لبنان في إطار مؤامرة دولية على شعبين "شقيقين" بهدف أن يتموضعا في مواجهة يصعب التكهن بنتائجها!...

غزو أميركا تبين أنه "قنبلة صوتية"، ليس إلا... وأما غزو لبنان، فقنبلة ولكن... "بشرية"!.

غير أن الأميركيين المصابين بحال من الذعر بسبب إشاعة تم إطلاقها... هم أقل جرأة ومواجهة من اللبنانيين الذين اعتادوا على كل دروب المخاطر وضروبها... فهم المرددون كلام الشاعر الزحلي سعيد عقل: "... نحن خُلقنا بيتنا الخطر!".

"حرب العوالم" الأميركية، عبارة عن اقتباس إذاعي لرواية الكاتب البريطاني، إلتش. دجي. ويلز، الذي كان مشهورا كأحد كبار مؤسسي أدب الخيال العلمي... فيما حربنا نحن، فمخطوطة دولية بتوقيع "الدول العظمى"، ضد "الشعب العظيم"!...

عالم مجنون

هو عالمنا المجنون... حيث تحصد الأخبار الكاذبة نسب مشاركة هي 70 % زيادة عن الأخبار الصحيحة!... وتحتاج الأخبار الصحيحة إلى ستة أضعاف الوقت الذي تحتاج إليه الأخبار الكاذبة، لتصل إلى 1500 شخص...

وكذلك حيث الأخبار الصحيحة لا تحظى بأكثر من 10 مشاركات) إعادة تغريد فيما تحظى الأخبار الكاذبة بـ19 مشاركة على الأقل، وبسرعة تتجاوز سرعة مشاركة الخبر الصحيح!.

هي "روبوتات" الغرب، العامل بعضها بذكاء اصطناعي، لنشر الأخبار الكاذبة والتهويل على الناس...

وهي أيضا مجموعات من المُغردين، الباثين أخبارا كاذبة، وهم متحصنون بعدد كبير من المتابعين لهم!...

وفي المحصلة، فإن الأخبار الكاذبة التي كانت تحظى بالنسبة الأكبر من إعادة "التغريد"، إنما هي ذات مضمون مُبتكَر مُقارنة بالأخبار الصحيحة. وتاليا هي تسبب انفعالات مختلفة كالخوف، الاشمئزاز والمفاجأة... فيما الانفعالات التي تأتي بها الأخبار الصحيحة توحي بالتوَقع، الحزن والفرح.