فتحت الزيارة التي قام بها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى مقر اقامة السفير السعودي وليد البخاري لدى لبنان ولقائه، الباب امام شهية السياسيين والمحللين والمتابعين الذين رأى العديد منهم انها تهيّئ لمرحلة جديدة من الحراك في الملفّ الرئاسي اللبناني، بعد ان حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم 15 حزيران المقبل موعداً لا يجب للبنان ان يتخطّاه من دون ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية.

ولم يوارب بري حين قارب الملف الرئاسي من زاوية تعيين حاكم لمصرف لبنان، وذهب أبعد من المسيحيين حين شدد على اهمية تعيين الحاكم انما بعد انتخاب الرئيس بما يوحي احترامه لمشاعر المسيحيين، كي لا يتم فرض حاكم جديد على الرئيس العتيد. ومن يعرف طريقة تفكير رئيس مجلس النواب، يدرك تماماً ان ربطه الحدثين (وهو امر منطقي طبعاً)، انما يأتي بعد ن تكون المفاوضات قد وصلت الى مراحلها الاخيرة، اي ان "رزمة الاتفاق" لا تحتاج الا الى بعض الروتشة، اي بكلام آخر فور وصول فرنجية الى قصر بعبدا، لن يتأخر الاتفاق على تكليف شخصية تشكيل الحكومة، كما لن يتم تأخير التشكيل بحد ذاته، فضلاً عن ان اسم حاكم مصرف لبنان سيطرح بشكل فوري على طاولة الحكومة، مع التشديد على ان مصير الحاكم الحالي رياض سلامة سيكون مبتوتاً ايضاً.

كل هذا يعني ان بري وضع في التصرف قاطرته الكفيلة بتخطي كل العوائق وايجاد المخارج اللازمة، وذلك فور الاعلان عن انتخاب فرنجية رئيساً، ولكن في ظل هذه التطورات المتسارعة يُطرح السؤال عن الموقف القطري. قد يعتبر البعض ان قطر لاعب غير اساسي على الساحة اللبنانية، ولكن هذه النظرة قد لا تصح هذه المرة، لانه وفق ما يتم تناقله في الصالونات السياسية الضيقة، فإن الاموال القطرية هي التي ستشكل الفارق على الساحة اللبنانية، في وقت سينشغل العرب بتأمين التمويل اللازم لسوريا واعادة اعمارها. من هنا، يمكن القول ان قطر لم تقل كلمتها بعد، وهي تعمل بالتوازي مع المساعي الفرنسية والعربية، على ايجاد مسار يرضيها ولكنها باتت في وضع غير مريح، لان عامل الوقت يسير ضدها من جهة، ورهانها على الاستمرار في التغريد خارج السرب العربي والاقليمي في ما خص سوريا بدأ يعطي نتائج عكسية. من المؤكد ان قطر ترغب في الحصول على ضمانات في لبنان للقبول بأداء الدور المهمة المطلوبة منها، وهي حصلت بالفعل على حصة في موضوع التنقيب عن الفط والغاز، ولكن الهدف ليس الحصول على الاموال فهي لا تحتاج اليها، ولكن الحصول على نسبة من الحضور في لبنان له مغرياته ونتائجه على الساحة الاقليمية والدولية، وهو الهدف الدائم وراء تدخل الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا، والاقليمية ومنها الدول الخليجية وايران.

لن تصرف قطر اموالها على حل المسألة اللبنانية من دون الحصول على مقابل، وهي لا تبغي الربح المادي، من دون ان يعني ذلك انها لا تتوخى الربح السياسي والدبلوماسي، ولن تكتفي بعبارة "شكراً قطر" كما حصل بعد تدخلها اثر الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006، و"تسوية الدوحة" بعدها بعامين حيث خرجت خالية الوفاض تقريباً، وهي تعلم انها لن تكون لاعباً رئيسياص على الساحة اللبنانية في وقت قريب، ولكنها لن تمانع ابداً الحصول على موطئ قدم يؤمن لها حضوراً دائماً في لبنان يمكّنها من استغلاله للعب بعض الاوراق على الساحة الاقليمية.

لن تعرقل قطر الحل، ولكنها لن ترضى ايضاً في ان تكون مجرد الشاهد والممول للحلول، بل باتت تريد المزيد على ان تكون البداية من لبنان تحديداً.