على الرغم من التطورات الكثيرة التي يشهدها الملفّ الرئاسي، في الوقت الراهن، يبدو أن الأمور من الناحية العملية لا تزال تدور في حلقة مفرغة، عنوانها الأساسي "التحدّي"، حيث لا يزال كل فريق عند موقفه، ساعياً إلى تعزيز أوراق قوّته، على وقع تطوّر نوعي واحد هو "الخوف" من تداعيات الدخول في لعبة النصاب، عبر الذهاب إلى مقاطعة جلسات الإنتخاب، في حال لم تكن النتيجة معروفة سلفاً.

طوال الأسابيع الماضية، كانت قوى الثامن من آذار تسعى إلى رمي ورقة التعطيل في ملعب الفريق الآخر، عبر دعوته إلى الإتفاق على مرشح منافس لمرشحها رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، للذهاب إلى جلسة إنتخاب يفوز فيها من ينجح في تأمين الأكثرية اللازمة، قبل أن يبادر هذا الفريق إلى الرد بطلب تحديد جلسة إنتخاب سريعاً، على قاعدة أنه غير مجبر على كشف خياراته مسبقاً.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الوقائع الراهنة توحي بأن الدافع الوحيد وراء كل ما يحصل، من قبل كل فريق، هو السعي إلى إبعاد تهمة التعطيل عنه، خصوصاً بعد أن لوحت العديد من الجهات الدولية بورقة العقوبات على المعرقلين، بالرغم من أن الجميع يدرك أن الذهاب إلى جلسة إنتخاب تنتج رئيساً يتطلب التوافق المسبق، أي الوصول إلى تسوية يتم تكريسها بشكل صوري لا أكثر.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ليس هناك بين الأفرقاء الأساسيين من هو على إستعداد للذهاب إلى جلسة إنتخاب، يتم خلالها تأمين النصاب لصالح مرشح منافس، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك في المرحلة التي تلي الإنتخاب، وتسأل: "هل هناك من يتوقع أن تحصل إنتخابات من دون سلّة متكاملة تشمل إسم رئيس الحكومة المقبلة وتوازناتها، بالإضافة إلى برنامج عملها"؟ وتجيب: "في الأصل هذا هو جوهر المبادرة الفرنسيّة، التي طرحت في الفترة الماضية، من دون أن يكتب لها النجاح".

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم إصرار قوى الثامن من آذار، في الفترة الماضية، على التأكيد أنها لن تذهب إلى أيّ جلسة قد تفسّر على أساس أنّها تمثّل تحدياً للجانب السعودي، ما يعني أنها تريد التسوية، في مقابل سعي الأفرقاء الآخرين إلى التلميح بأن الإنتقال إلى المرحلة الثانية يتطلب سحب ترشيح فرنجية، الأمر الذي تزامن مع إبداء الرغبة بالتراجع عن خيارات "التحدّي".

على هذا الصعيد، توضح المصادر السّياسية المطّلعة أنّه بعد التطورات التي كانت قد حصلت في الأسبوعين الماضيين، يسعى كل فريق إلى تعزيز المعادلة التي يطرحها، فقوى الثامن من آذار تريد أن تجمع 65 صوتاً لصالح مرشّحها، في حين أنّ القوى الرافضة لهذا الترشيح تريد أن تصل إلى مرشح قادر على جمع الأكثريّة نفسها، بالرغم من أنّ الفريقين يدركان جيداً أن ذلك لن يكون كافياً من أجل الوصول إلى إنتخاب الرئيس المقبل.

في المحصلة، ترى هذه المصادر أن الأمور لا تزال عالقة عند كيفية الخروج من هذه المعضلة، حيث تتحدث عن سيناريوهين أساسيين: الأول هو إتفاق بين القوى المعارضة و"​التيار الوطني الحر​" على مرشّح، الأمر الذي قد يقلب التوازنات من دون ان يعني ذلك إنتخابه، أو حصول تطور كبير يدفع الجميع إلى الإقتناع بالجلوس على طاولة حوار تنتج رئيساً، بينما السيناريو الثالث، الذي قد يكون من الصعب تحقيقه، هو حصول توافق بين قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" على مرشح، قد يكون فرنجية أو شخصيّة أخرى.