أكّدت مصادر مواكبة للحراكات على الخط الرئاسي، لصحيفة "الجمهوريّة"، أنّه "إذا كانت الصّبيانيات السياسية قد حرمت لبنان من أن يظهر كدولة مكتملة وبكامل اناقتها الرئاسية في القمة العربية التي ستعقد غدًا في جدة، فإنها ما زالت تحرمه من أن يلتقط الفرصة العربية والدولية المتاحة أمامه، لأن يسلك مسار اعادة تكوين سلطاته وتنظيم حياته السياسية؛ دخولاً من الممرّ الإلزامي المتمثل بانتخاب رئيس للجمهوريّة".

وأشارت إلى أنّ "هذا الحرمان يتبدّى في الإمعان في سياسات التصادم والتعطيل ذاتها، وفي بناء الحيطان العالية امام دعوة شقيقة او صديقة الى التوافق على رئيس، وكذلك امام اي جهد او مسعى، كالذي اندرجَ في سياقه الحراك الأكثر من ايجابي للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، لنزع العوائق والعراقيل من الطريق الرئاسي، وحمل المكونات السياسية على الاقتناع بأن الضرر الكبير الذي جَناه لبنان منذ بداية الأزمة وحتى الآن، سيكون أكبر بكثير إذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه، بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة فاعلة تضعه على سكة الإصلاح والإنفراج، وبالتالي حملها على التسليم باللعبة الديموقراطية وكسر حيطان التعطيل لانعقاد مجلس النواب في جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، تنهي الوضع المشوّه في رئاسة الجمهورية بفراغ تُنذر التباينات التي ما تزال قائمة، بأنه مفتوح على مديات طويلة الى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً".

في السّياق، شدّد مسؤول كبير لـ"الجمهورية"، تعليقًا عمّا اذا كان ثمة دواء متوفّر لانقاذ لبنان من المنحى الصبياني الذي يعطّله، على "أنّني لم اشهد في حياتي هذا العقوق وهذا النهج من الأذية، كالذي يتعرض له لبنان"، جازمًا بأنّ "ثمة جهات في البلد تقول في العلن شيئاً، اما في عمقها وحقيقتها فلا تريد انتخاب رئيس الجمهورية، ولا تشكيل حكومة، ولا لمجلس النواب ان يعمل، ولا التوافق او التفاهم على ابسط البديهيات، ولا أن تسلم اداراته ومؤسساته من الهريان الذي يطيح بها؛ وأبعد من ذلك لا تعبأ بما أصاب الناس. فقط تريد التخريب والتوتير والتعطيل، الذي تستمد منها قوة استمرارها وتربّعها على ساحاتها وتحمكها بها؛ وإن كنت مخطئا فليتفضلوا ويثبتوا العكس".

ولفت إلى أن "لعبور هذه الاجواء بحلحلة وسلام، بتنا نحتاج الى معجزة، فلقد استبشرنا خيراً بالجهد الذي بذله السفير البخاري، وما زلنا نعوّل على هذا الجهد، الذي عكس تقدما جديا في الموقف السعودي من الملف الرئاسي، وعبّر عن رغبة صادقة لدى السعودية في ان يتلاقى اللبنانيون على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، ويجنّبوا اللبنانيين مرارات الأزمة"، مركّزًا على أنّه "بدل ان تلتقط هذه الفرصة، تسود لغة التحدي والتعطيل، التي تعكس بما لا يقبل ادنى شك انّ اصحابها لم يكتفوا بالاثمان الباهظة التي دفعها لبنان واللبنانيون جراء هذا المنحى؛ بل يريدون له أن يدفع اثماناً اكبر".

طريقان للانتخاب

أوضحت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري حدد موعد 15 حزيران المقبل، موعداً يفترض أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية قبله، "بدافع الحثّ للأفرقاء السياسيين بأن يحسموا خياراتهم ويتفاعلوا ايجاباً مع حركة الجهود والمساعي الخارجية، وان يلتقطوا فرصة الانفراجات الاقليمية ويلاقوها بانفراج لبناني، يُنهي الشغور في سدة الرئاسة". وذكرت أنّ "سببا اضافيا أوجَب ذلك، وهو ان ثمة استحقاقات اساسية باتت داهمة، تفترض ان تكون لرئيس الجمهورية كلمته فيها، لا سيما بالنسبة الى ما خص تعيين حاكم مصرف لبنان".

أكّدت "أننا ما زلنا ندور في الدوامة ذاتها، حيث انه على الرغم مما نسمعه عن اتصالات تجري هنا وهناك، فإنّ التعطيل هو الغالب حتى الآن، وهذا يؤكد أقله حتى الآن، انّ مَن شبّ على التعطيل شاب عليه"، مبيّنةً أنّه "لو انه من بداية الطريق، تم التجاوب مع الدعوات المتتالية التي وجهها بري الى الأفرقاء السياسيين للدخول في حوار داخلي يمهّد الى التوافق على رئيس للجمهورية، لما كنّا بلغنا هذا الحال من الانسداد، بل لكنّا انتخبنا رئيساً للجمهورية منذ اشهر".

وفسّرت أنّه "امّا وقد وصلنا الى ما وصلنا اليه، فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية في وقت قريب جدا، يتم وفق خط من اثنين: الاول هو التوافق، اما الثاني فهو تحديد المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية، والنزول الى المجلس النيابي بمرشح او اثنين او اكثر، وانتخاب رئيس الجمهورية في جو ديمقراطي تنافسي، وليربح من يربح؛ وهو ما سبق لبري أن دعا اليه منذ اعلانه دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية".

نقاط ضعف

وأفادت "الجمهوريّة" بأنّ "في هذه الاجواء، يبدو انّ الطافي نظريا على سطح المشهد الرئاسي، هو الحديث عن اولوية عقد جلسة انتخابية لرئيس الجمهورية في غضون اسابيع قليلة، الا ان المعطيات المرتبطة بهذا الملف لا تؤشّر الى تحولات ايجابية في المواقف، او الى رغبات جدية في تأمين نصاب جلسة الانتخاب، فما عدا موقف ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" المحسوم لناحية دعم الوزير فرنجية كمرشح وحيد ونهائي بالنسبة اليهما، تبدو الصورة معقدة على ضفة المعارضة، او بمعنى أدق المعارضات المتفرقة في الجانب الآخر؛ حيث تؤكد الوقائع ان ثمة استحالة حتى الآن في اجتماع هذه المعارضات على مرشح تخوض فيه معركة الرئاسة في وجه فرنجية".

وكشفت معلومات الصّحيفة أنّه "حتى الآن، لا يمكن الجزم بإمكان حسم المعارضة خياراتها والاتفاق على قاسم انتخابي مشترك، برغم وجود مجموعة من الاسماء المتداولة في الجانب المعارض، واذا كان اسم الوزير السابق جهاد ازعور هو الاكثر تداولاً من غيره في اوساط الاحزاب المسيحية المعارضة، الا ان نقطة الضعف الاساس لهذا الخيار تتبدّى في انّ بحوراً عميقة من الخلافات الجذريّة والجوهرية تفصل ما بين هذه الاحزاب".

وأشارت إلى أنّ "أكثر من ذلك، وحتى ولو افترضنا انه قد أمكَن للمعارضات القواتية والكتائبية والبرتقالية، ولسبب ما او لمصالحة مشتركة، او لظروف استثنائية دافعة الى التقائها، ان تجمع على تبنّي ترشيح ازعور (وهو ما لم يحصل حتى الآن)، فإنّ النتيجة التي يمكن ان تحصدها قد لا تتجاوز النسبة من الاصوات التي كان ينالها النائب ميشال معوّض في مسلسل الجلسات الانتخابية الفاشلة التي عقدها المجلس النيابي".

الأمل موجود

رغم هذه الاجواء، رأى مرجع سياسي لـ"الجمهورية"، أن "الفترة الراهنة لا تعدو اكثر من مراوحة انتظارية لما قد تشهده فترة ما بعد القمة العربية من حراكات، إن على الصعيد العربي او على الصعيد الخارجي، والفرنسي تحديدا، بالتناغم مع الحراك السعودي المستمر. وربطاً بما يؤكده الدبلوماسيّون حول تزخيم منتظر لحركة المساعي والجهود على اكثر من خط داخلي وخارجي، على قاعدة ان الوقت قد حان لحسم الملف الرئاسي في لبنان، فإنّ ذلك يعزّز الاعتقاد بأنّ الأمل ما يزال موجوداً في امكان حصول اختراق جدي في الجدار الرئاسي، ينفذ من خلاله لبنان الى صيف رئاسي، وضمن مهلة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة الى اربعة اسابيع على ابعد تقدير".

في السّياق، وعلى ضفة المداولات الرئاسية بينَ القوى المعترضة على فرنجية، كشفت مصادر مواكبة للاتصالات لصحيفة "الأخبار"، أن "رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط عرض تمرير النائب السابق صلاح حنين بين الأسماء التي يجري بحثها، إلا أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل رفض الاقتراح باعتبار أنه اسم مستفز لـ"حزب الله"، ويرفضه كثيرون من معارضي فرنجية".

ولفتت إلى أن "جنبلاط أبدى موافقة على أزعور، والطلب إلى أعضاء كتلته التصويت له، لكنه أبلغ أعضاء الكتلة أنه سينتظر ما تقرره الكتل المسيحية". وذكرت أنّ "بالنسبة لكتلة النواب السنة، فقد أبلغ أعضاؤها من اتصل بهم من الكتل المسيحية الثلاث، أنهم قرروا تأخير موقفهم إلى حين الدعوة إلى الجلسة، مؤكدين أنهم لن ينخرطوا في أي محور وأن لديهم معطيات تخصهم، وقد لا تجعلهم صوتاً واحداً، مع التشديد على عدم المشاركة في أي قرار يعطّل النصاب".

وأوضحت المصادر أنّ "التغييريين" ينقسمون بين حنين وأزعور، وقسم ثالث يرفض أي مرشح يتفق عليه أفرقاء المنظومة، سواء كانوا من جانب حزب الله أو خصومه".

مؤيدو فرنجية ينتظرون خطوة سعودية رابعة

شدّدت صحيفة "الأخبار" على أنّ "بارتياح شديد، يتعاطى مؤيدو ترشيح فرنجية مع التطورات. ارتياح عبّر عنه بري علناً، ويستند إلى جملة معطيات مبنيّة أساساً على حركة القاطرة السعودية التي مرت حتى الآن بمحطات ثلاث، ويتوقع أن تصل إلى محطتها الرابعة، بين 20 الحالي، موعد انعقاد القمة العربية في جدة، و15 حزيران المقبل، بالإفراج عن انتخاب فرنجية رئيساً؛ ترجمةً للمناخ الإقليمي الهادئ المتوقع أن تسفر عنه القمة بعد المصالحات الإقليمية الأخيرة".

وأفادت بأنّ "منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، تعاطى هذا الفريق على أن أمام فرنجية عقبتين أساسيتين: مسيحية وسعودية"، شارحةً أنّ "في العقبة الأولى، كان التعويل على أن تفاهم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وباسيل، كفيل بتجاوزها، على أن يتولى بري حواراً مع "القوات اللبنانية"، وإذا لم تقتنع فإن تمثيل باسيل المسيحي يكفي ويزيد لتغطية فرنجية. خيبة الأمل أتت من رفض رئيس "التيار" التام لأي محاولة لإقناعه مقابل أي ضمانات يريدها من نصرالله شخصياً".

وتابعت: "العقبة الثانية، السعودية، نُظر إليها على أنها الأصعب. بواقعية، أقرّ هذا الفريق بأنه من دون موافقة الرياض لن يطأ رئيس "المردة" قصر بعبدا. وبواقعية أيضاً، كان هذا الفريق يدرك بأن موافقة السعودية على فرنجية، في ظل الاشتباك الإقليمي الحادّ، يكاد يكون من رابع المستحيلات.

وهو ما عبّر عنه السعوديون في اللقاء الخماسي الأول، برفضهم أي بحث في تسوية المقايضة الفرنسية (فرنجية مقابل السفير نواف سلام)، مصرّين على ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، أو مرشح من خارج الاصطفافات السياسية في لبنان. وكانت هذه محطة انطلاق القاطرة السعودية".

وركّزت الصحيفة على أنّ "الفرنسيين لم ييأسوا، بالتزامن مع بدء التواصل الإيراني- السعودي، من محاولة تليين موقف الرياض. كانت حجتهم أن أي رئيس لا يرضى به "حزب الله" لن يحكم. أدركت السعودية أن لا حظوظ لقائد الجيش، فانتقلت إلى المحطة الثانية برفع الفيتو في وجه فرنجية، والإصرار على مرشح من خارج الاصطفافات".

كما أشارت إلى أنّ "أمام العقبتين السعودية والمسيحية، كان قرار مؤيدي فرنجية كالتالي: إذا لم نكن قادرين على إنجاحه، فسنمنع انتخاب غيره... تعطّل النصاب وسُدّت السبل، إلى أن "انفجرت" المصالحة بين الرياض وطهران، في 10 آذار الماضي، في وجه الجميع. بدا واضحاً أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يريد التخفف من كل أثقال المرحلة الماضية، والتفرغ لـ"نيوم" و"رؤية 2030"... فكانت المحطة الثالثة والأكبر، في سحب الفيتو من وجه ترشيح فرنجية".

وبيّنت أنّ "عليه، منطق الأمور، وفق مؤيدي فرنجية، هو أن انتظار المحطة الرابعة والأخيرة للموافقة على انتخابه، لن يطول كثيراً بعد القمة العربية. لا بل إنها بدأت تلوح في الأفق"، مضيفةً: "ناهيك عما بات معروفاً عن تهديد البخاري بالعقوبات على من يعطّل النصاب في جلسة انتخاب الرئيس، فإنه في لقائه مع نواب تكتل الاعتدال أخيراً، وإبلاغه إياهم بـ"أننا لا نتدخل في الانتخابات"، سأله أحدهم: "لا فيتو على فرنجية وهل يمكن أن نصوّت له؟"، فأجاب: "لا فيتو وأنتم أحرار". وعندما سئل: "هكذا من دون Deal؟"، أجاب: "الديل يأتي لاحقاً. هناك رئاسة الحكومة وغيرها".