لم ينعم العرب بإستقرار في ساحاتهم منذ سنوات طويلة. كرّت الازمات تحت عنوان "الربيع العربي" وجرّت معها العنف والقتل والتهجير وتخريب اقتصادات الدول. وبعد ثلاث عشرة سنة وجد العرب ان دولاً اقليمية ثلاث: ايران، تركيا، واسرائيل، تقدمّت في مجالات عدة، نووية، واقتصادية، وسياسية، ووسعّت نفوذها على حساب الدول العربية التي أنهكتها الحروب المباشرة او غير المباشرة. كانت عواصم العرب مشغولة بأزمات مكلفة، لكن دولة الامارات العربية المتحدة سعت منذ البداية لاقامة تسويات لوقف الحروب. شكّلت المدرسة الاماراتية نموذجاً يُحتذى في الجمع، وهي سياسة مؤسس الدولة الشيخ الراحل زايد بن سلطان ال نهيان، الذي بنى دولته على اساس لم الشمل الخليجي، وارسى دعائم الدولة الحديثة. وعندما تسلّم نجله الشيخ محمد بن زايد رئاسة الدولة، سعى منذ البداية لترجمة تعاليم تلك المدرسة: تسويات اقليمية ودولية، و بناء اقتصاد قوي. ومن هنا جاءت المساعي الاماراتية لحل ازمة الحرب بين روسيا واوكرانيا، وتقريب وجهات النظر بين الايرانيين والدول الخليجية العربية، وبين تركيا ودول عربية، والدفع بإتجاه حل ازمة سوريا.

عندما تقدّمت أبو ظبي بإتجاه دمشق، كانت عواصم اخرى لا تزال تراهن على ابقاء الحرب بين السوريين. لكن ثبت ان تعاليم المدرسة الاماراتية عربياً تفوّقت على مسارات الحروب.

بعدها جاءت الاندفاعة السعودية في ذات المسار الاماراتي. واثمرت خطة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اقليمياً وداخلياً، سياسة واقتصاداً. لم يكتفِ ولي العهد السعودي بتنفيذ خطة بلاده التطويرية 2030، وهو بذلك اصبح باني السعودية الحديثة، بل فرض سياسة اقليمية قائمة على التسويات ايضا، فجاءت المصالحة السعودية-الايرانية، والسعودية-التركية، ترسم خطاً بيانياً تصاعدياً في اعادة الاستقرار الاقليمي. ومن هنا أتت عملية اعادة احتضان سوريا عربياً.

ستكون قمة العرب في جدّة هي الانجح، لأنها تعيد للعرب دوراً ينطلق من وحدة الموقف اولاً، وترسيخ تعاون اقتصادي بنّاء.

واذا كانت هواجس مشكلة السودان الصاعدة تخيّم على اجتماع العرب، غير ان عناوين النقاش التي حضرت منذ ايام في جدّة بين وزراء الخارجية والاقتصاد والمال والطاقة العرب توحي بأن الآتي افضل.

ينزع المجتمعون في قمتهم العربية رداء الخلافات، لاطلاق صفارة الجدّ في العمل. انها مرحلة تنتظرها الشعوب العربية التي اصابها اليأس في سنوات القحط الماضية.

يبقى لبنان على قارعة الإنتظار، في ظل ازمة عميقة سياسياً واقتصادياً، تبدأ من عدم تجاوب قوى سياسية لبنانية مع المسار التصالحي التسووي في الاقليم: لا اتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لغاية الان. فهل يضيّع اللبنانيون فرصة مواكبة المصالحات والتسويات، وبالتالي يُجهضون وضع بلادهم على سكّة التطور الاقتصادي في الاقليم؟.

يبدو الوعي اللبناني مفقوداً، والشعب يدفع ثمن حسابات القوى السياسية، فيما شعوب العرب تنظر عبر وقائع القمة في جدّة الى الغد الافضل.