منذ تاريخ الشغور الرئاسي في ​لبنان​، بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، طُرحت على بساط البحث الكثير من السيناريوهات، حول كيفية الوصول إلى إنتخاب الرئيس المقبل، التي يغلب عليها طابع التحدّي، الأمر الذي لا يزال يسيطر على النقاشات القائمة في الوقت الراهن، على قاعدة بحث كل فريق عن كيفية تأمين 65 صوتاً لصالح مرشحه، على أمل أن يحول الضغط الدولي دون لجوء الآخرين إلى إستخدام سلاح تعطيل النصاب.

على الرغم من هذا الواقع، يبدو أن الأمور تسير بإتجاه معاكس لما يجري التداول به محلياً، نظراً إلى أن كل ما يحصل اليوم هو عبارة عن عملية رفع أثمان، بحسب ما تؤكّد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، حيث تلفت أن معادلة رئيس التحدّي لم تعد واردة على الإطلاق، وبالتالي المنتظر هو لحظة الوصول إلى تسوية تكون مرضية لغالبيّة الأفرقاء اللبنانيين، حتى ولو ذهب هؤلاء إلى بعض التصعيد في الوقت الضائع.

بالنسبة إلى هذه المصادر، غالبية المعطيات المحلية والخارجية تشير أن الأمور لم تصل إلى هذه اللحظة، لكن في المقابل هذا لا يعني عدم وجود مؤشرات جدية على أن الملف اللبناني وضع على نار حامية، وبالتالي المعطيات قد تتبدل سريعاً في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يدفع البعض إلى الرهان على مسار جديد قد ينطلق بعد ​القمة العربية​ في مدينة جدة ​السعودية​، خصوصاً بعد المواقف التي كان قد ذهب إليها السفير وليد البخاري في الأيام الماضية، والتي فُسرت على أساس أنها دخول قوي على خط الإستحقاق.

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده هو أن العنوان الأساسي لهذه القمة هو "تصفير المشاكل"، الأمر الذي يأتي بعد تحولين بارزين: الأول على مستوى العلاقات السعوديّة-الإيرانية بعد الإتفاق الموقّع بينهما برعاية صينيّة، أما الثاني فهو على مستوى العلاقات العربيّة السوريّة وقد تُرجم بحضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية، وتجزم بأنّ معادلة تصفير المشاكل لا يمكن أن تستثني الساحة اللبنانية، التي تعتبر مساحة مشتركة لمجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين.

في لعبة التوازنات الرئاسية، يمكن التشديد على أن ليس هناك من فريق، حتى الآن، قادر على المعطيات الرئاسية لصالح بشكل كامل، فلا القوى التي تدعم رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ قادرة على تأمين الأكثرية اللازمة لإنتخابه، ولا المفاوضات القائمة بين المعارضين تشهد تقدماً عملياً، خصوصاً بعد أن أدركوا أن مثل هذا الإتفاق لن يكون كافياً لإيصال أي إسم قد يتفقوا عليه إلى ​رئاسة الجمهورية​.

في هذا الإطار، تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أن الواقع الراهن يشبه إلى حد بعيد توازن الردع، حيث لدى كل فريق أوراق قوته التي من الممكن أن يلجأ إليها، لكنها تلفت إلى أن الأمور لن تكون على هذا المنوال، على إعتبار أن المسار الخارجي لا يسمح لأي جهة بالذهاب إلى خيار لا يتم التوافق عليه مسبقاً، وهو ما يمكن أن يحصل قبل التوقيت الذي كان قد وضعه رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، أي الخامس عشر من حزيران.

في قراءة هذه المصادر، الأمور بحاجة إلى تحول إضافي، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، يدفع بالأفرقاء المحليين إلى الذهاب لخيار الحسم، وتؤكد أن المعطيات الحالية ترجّح ألاّ يتأخر ذلك كثيراً، لا سيما أن العديد من الجهات الدولية لديها مخاوف من تداعيات الذهاب إلى الشغور في حاكميّة ​مصرف لبنان​، بعد إنتهاء ولاية رياض سلامة، قبل إنتخاب رئيس جديد، وبالتالي من الممكن أن تشجع الذهاب إلى تسوية قبل هذا التاريخ، بالرغم من أن هناك من المقابل من ينفي ذلك.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأن ما يمكن الحديث عنه، في الوقت الراهن، هو أنّ جميع السيناريوهات لا تزال مفتوحة، بإنتظار ما قد تسفر عنه الأيام المقبلة من تطورات إضافيّة، نظراً إلى أنّ ما حصل في الأيام الماضية لم يتخطَّ تمهيد الأرضيّة لذلك.