ما يحتاج إليه العالم هو آسيا وسطى مستقرة مزدهرة متناغمة ومترابطة، هكذا قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته الرئيسية في قمة الصين-آسيا الوسطى المنعقدة أمس الجمعة في مدينة شيآن بمقاطعة شنشي شمال غربي الصين، والتي حضرها كل من رؤساء دول آسيا الوسطى الخمس وهي كازاخستان، وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، حيث تباحث الرؤساء الستة سويا حول سبل التعاون، وصدر عن القمة بيان شيآن الذي رسم مخطط التنمية المستقبلية للعلاقات بين الجانبين.

يعتبر هذا الحدث أول قمة على أرض الواقع يعقدها الرئيس الصيني ورؤساء الدول الخمس منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية قبل 31 عاما، وانتهز الرؤساء هذه الفرصة لإنشاء آلية القمة بين الصين وآسيا الوسطى بشكل رسمي، وستعقد القمة مرة واحدة كل سنتين. بالإضافة إلى ذلك، وافق الجانبان على إنشاء آليات الاجتماع والحوار في مجالات القطاعات والاستثمار والزراعة والمواصلات وإدارة الطوارئ والتعليم والأحزاب وغيرها. وبلا شك أن إنشاء هذه الآليات سيوفر حيزا أكبر وضمانة أكثر فعالية لتوسيع التبادلات بين الصين وآسيا الوسطى على كل المستويات وتعميق التعاون الشامل.

أعلن الرئيس شي عن سلسلة من مبادرات التعاون الرئيسية في القمة، بما في ذلك توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية وترقية الاتفاقيات الثنائية للاستثمار وزيادة حجم البضائع المنقولة عبر الحدود على نحو شامل، ودعم بناء ممر النقل الدولي العابر لبحر قزوين ودعم بناء مشروع السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، وإقامة علاقات الشراكة التنموية بين الصين وآسيا الوسطى في مجال الطاقة، وإنشاء مزيد من ورشات لوبان ومراكز الطب التقليدي في دول آسيا الوسطى، والإسراع في تبادل إنشاء المراكز الثقافية، وتشغيل القطارات الخاصة بالسياحة الثقافية والإنسانية الموجهة نحو آسيا الوسطى. ومن أجل دعم التنمية لدول آسيا الوسطى، سيقدم الجانب الصيني دعما تمويليا ومساعدات بقيمة إجمالية 26 مليار يوان صيني لدول آسيا الوسطى.

واتفقت الصين ودول آسيا الوسطى بالإجماع على الدفاع بقوة عن التعددية ومقاومة الأحادية والهيمنة و​سياسة​ القوة، ما يضخ مزيدا من اليقين في عالم يعج بالشكوك.

الصين ودول آسيا الوسطى

تقع آسيا الوسطى في مركز أوراسيا، ويعد تقاطع الطرق الذي يربط الشرق والغرب والشمال والجنوب. وتبلغ المساحة الإجمالية لدول آسيا الوسطى الخمس حوالي 4 ملايين كيلومتر مربع، ويتجاوز طول الحدود بين الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان 3000 كيلومتر.

يرجع التبادل الودي بين الصين وآسيا الوسطى إلى ما قبل ألفي عام، حيث أنه قبل أكثر من 2100 سنة، انطلق الموفد الصيني تشانغ تشيان في عهد أسرة هان الملكية من مدينة تشانغآن (مدينة شيآن الآن) في رحلته إلى المناطق الغربية، مما فتح باب التواصل الودي بين الصين وآسيا الوسطى، وشق طريق حرير يمر عبر الشرق والغرب ويربط بين أوروبا وآسيا.

تعد الصين من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال دول آسيا الوسطى وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وفي الوقت الحالي أقامت الصين شراكة استراتيجية شاملة دائمة مع كازاخستان وشراكة استراتيجية شاملة مع الدول الأربع الأخرى.

على مدار السنوات، وعلى الرغم من وجود اختلاف بين الصين ودول آسيا الوسطى في الأنظمة الاجتماعية والثقافات الدينية وما إلى ذلك، إلا أن الصين ودول آسيا الوسطى نجحت في تجاوز هذه الخلافات وإيجاد طريق جديد من الاحترام المتبادل وحسن الجوار والصداقة والتضامن والمنفعة المتبادلة، مما قدم نموذجا للعلاقات الدولية الجديدة.

في عام 2013، أثناء زيارته لكازاخستان، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير". وعلى مدى 10 سنوات مضت، عملت الصين ودول آسيا الوسطى على دفع النهوض الشامل بطريق الحرير.

سجل حجم التجارة بين الصين والدول الخمس رقما قياسيا جديدا في عام 2022 البالغ 70.2 مليار دولار أميركي. وفي الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بلغ حجم الاستيراد والتصدير بين الجانبين نحو 24.7 مليار دولار أميركي، بزيادة سنوية قدرها 37.3٪.

بلغ عدد قطارات الشحن بين الصين وأوروبا التي بدأ تشغيلها في عام 2011 إلى 65 ألف رحلة حتى الآن، وتمر ما يقرب من 80٪ من تلك القطارات عبر آسيا الوسطى. وبفضل ذلك، اكتسبت دول آسيا الوسطى فرصا للاندماج بشكل أفضل في الاقتصاد العالمي المفتوح. وافتتحت كازاخستان، أكبر دولة غير ساحلية في العالم، موانئ بحرية بمساعدة خط الشحن بين الصين وأوروبا، وأرسلت منتجاتها المتميزة مثل القمح إلى سوق جنوب شرق آسيا عبر الصين.

تعتبر الصين المصدر الأكبر أو الرئيسي للاستثمار في دول آسيا الوسطى. وإلى نهاية عام 2022، بلغ رصيد الاستثمار المباشر الصيني في الدول الخمس أكثر من 15 مليار دولار، وتغطي مشاريع التعاون النفط والغاز والتعدين، والمعالجة والتصنيع، وترابط البنى التحتية، والتكنولوجيا الرقمية وغيرها من المجالات.

قد أسفر التبادل والتعاون الثقافي عن نتائج مثمرة، حيث رسخ 13 معهد كونفوشيوس جذوره في آسيا الوسطى، وتم إطلاق أول ورشة عمل لوبان في آسيا الوسطى رسميا في طاجيكستان لتصبح منصة جديدة للشباب المحلي لتحسين مستوى تعليمهم ومهاراتهم المهنية، ومن جانبها أصبحت الصين واحدة من الوجهات الرئيسية للطلاب من دول آسيا الوسطى للدراسة فيها.

بالإضافة إلى ذلك، حققت الصين ودول آسيا الوسطى نتائج ملحوظة في التعاون لمكافحة "قوى الشر الثلاث" من خلال الاعتماد على المنصات الثنائية والمتعددة الأطراف مثل منظمة شانغهاي للتعاون ومؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (سيكا)، مما يضمن بشكل فعال أمن البلدان والمناطق.

لقد أثبتت الـ 31 عاما الماضية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمس أنه طالما كانت العلاقات بين الدول صحيحة، فستكون النتائج مثمرة. إن التعاون بين الصين وآسيا الوسطى تجربة إيجابية تستحق الحرص عليها بينهم وبين العالم كافة، وفي الوقت نفسه، يوفر مرجعا مفيدا للدول التي تسعى إلى تحقيق حسن الجوار والصداقة والازدهار المشترك.

*صحفية صينية