استأنف الرئيس الأميركي جو بايدن محادثاته مع الجمهوريين في الكونغرس، للتوصل إلى اتفاق يجنب الولايات المتحدة التخلف عن سداد مستحقات ديونها، وسط تحذيرات وزارة الخزانة الأميركية من نفاد أموال الخزانة العامة.

وسبق أنّ أكّد بايدن باستمرار أن تداعيات التخلف عن السداد ستكون "كارثية"، وحث الجمهوريين على الموافقة على زيادة "نظيفة" في سقف الاقتراض العام قبل بداية الشهر المقبل، لكن الجمهوريين يشترطون أن يوافق بايدن على خفض كبير في نفقات الميزانية مقابل موافقتهم على رفع سقف الدين.

وتوقع محللون أن تعاني أسواق الأسهم الأميركية من صدمة حادة مؤقتة، إذا عجزت وزارة الخزانة الأميركية عن الوفاء بجميع التزاماتها المالية.

وبحسب ما توقع الخبير الاقتصادي بوكالة "موديز أناليتيكس" برنارد ياروس، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، فقد ترتفع أسعار الفائدة وخصوصا عوائد سندات الخزانة ومعدلات الرهن العقاري، مشيرًا إلى أن ذلك "قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة للمستهلكين والشركات".

وأوضح أن الأسر أو الشركات لن تتسلم في هذا الحال المدفوعات الفدرالية المستحقة؛ ومن ثم فإنها قد تحجم عن الإنفاق على المدى القريب بسبب خسارتها للدخل، كما قد تتراجع ثقة المستهلك، مما سيضر بالاقتصاد، ومن المتوقع أيضا أن تكون الصدمات قصيرة الأجل، إذ يرجح أن يستجيب السياسيون بقوة لأيّ ردّ ملحوظ في السوق.

إلى ذلك، أشار كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مصرف "سيتي غروب" نايثان شيتس، إلى أنه يتوقع أيضا أن "تعود الأسواق إلى طبيعتها بمجرد التوصل إلى اتفاق"، موضحًا "أنني لا أعتقد أن هذه الحلقة ستكون طويلة إلى حد تسجيل توقعات منخفضة لإجمالي الناتج المحلي".

وبحسب ويندي إدلبرغ من الدراسات الاقتصادية بمؤسسة "بروكينغز"، فإنه إذا تجاوزت الولايات المتحدة المهلة التي تنفد بعدها أموال الخزينة العامة، فستظل أمامها خيارات، وسيكون بإمكان الحكومة الأمريكية اختيار إعطاء الأولوية لسداد الديون وتأخير مدفوعات أخرى، مثل المدفوعات المخصصة للوكالات الفدرالية وللمستفيدين من الضمان الاجتماعي ولمقدمي خدمات الرعاية الطبية، مستبعدة حصول إغلاق حكومي، رغم احتمال تأجيل رواتب الموظفين الحكوميين.

إلى ذلك، ذكر من مركز بحوث الميزانية وأولويات السياسات في الولايات المتحدة بول فان دي فاتر، في مدونة، أن "فشل الحكومة في سداد جميع مستحقاتها، قد يثير شكوكًا جدية حول الجدارة الائتمانية للدولة ويقوض ثقة المقرضين ويشكك في مكانة الدولار كعملة احتياطية ويزيد تكاليف الاقتراض الفدرالي.

ولفت إلى أنّه "في ظل الظروف الراهنة، حتى التهديد الخطير بتخلّف الولايات المتحدة عن السداد، قد يكون كافيًا لإحداث اضطراب في الأسواق وإلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد العالمي".

في حال التخلّف، ستكون التداعيات كبيرة، بحسب مدير قسم الدراسات الاقتصادية في كلية إدارة الأعمال بجامعة IÉSEG الفرنسية إريك دور، الذي أشار إلى أنّه "سترتفع، بشكل حادّ، أسعار الفائدة التي يفرضها المستثمرون على السندات التي تصدرها الولايات المتحدة"، كما ذكر أنّ "هذه الزيادة في تكلفة الائتمان ستؤدي إلى انخفاض في الاستثمارات في الأعمال التجارية والأسر وكذلك في الاستهلاك، وبالتالي سيحدث ركود حاد في الولايات المتحدة"، موضحًا أن هذه الزيادة قد تتسبب أيضًا في ركود في أوروبا وأماكن أخرى.

وكتبت جين روس من "مركز التقدم الأميركي" في مقال نُشر مؤخرًا، إن "من شأن التخلف عن السداد أن يزعزع استقرار النظام المالي العالمي الذي يعتمد على استقرار الدولار باعتباره أصلًا آمنًا في العالم وعملة أولية في الاحتياطي"، مؤكدة أنّ "يمكن أن يكون لفقدان الثقة بالدولار تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد والسياسة الخارجية، إذ إن الدول الأخرى، خصوصًا الصين، ستستخدم التخلف الأميركي عن السداد لدفع عملتها الخاصة لتصبح بمثابة أساس التجارة العالمية".

مع اقتراب المهلة، يراقب المستثمرون بقلق وكالات التصنيف بحثًا عن إشارات إلى احتمالية خفض التصنيف الائتماني لديون الولايات المتحدة.

في العام 2011، دفعت مواجهة مماثلة حول سقف الديون إلى تخفيض وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من أعلى درجة، ما أثار غضب الديموقراطيين كما الجمهوريين.

حتى إذا وصلت الولايات المتحدة إلى سقف الديون لكنها استمرت في دفع فواتيرها، يُرجَّح أن تأخذ وكالات التصنيف ملاحظة في ذلك، بحسب نايثان شيتس من "سيتيغروب"، ما يؤكد الحاجة إلى اتفاق تفاوضي مسبق.

ويقول شيتس "إن المناقشات حول ما إذا كنتم ستدفعون بشكل دوري أم لا ليست في العادة ميزة قد تربطها بتصنيف ائتماني أعلى".