منذ تاريخ الإعلان عن الإتفاق السعودي الإيراني، برعاية صينية، كان من الواضح أن المنطقة على أبواب دخول مرحلة جديدة، على مستوى العلاقة بين اللاعبين الأساسيين، الأمر الذي تكرس بعد القمة العربيّة في مدينة جدة، وهي تقوم بشكل أساسي على الإنفتاح، الذي من الممكن أن يكون المدخل لمعالجة مجموعة من الأزمات العالقة دبلوماسياً، بعد سنوات من الصراعات الدموية.

أبرز نتائج هذا التحول لم تتأخر في الظهور، أيّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ومشاركة رئيسها بشار الأسد في قمة جدة، بالرغم من التحذيرات الكبيرة التي أطلقتها العديد من العواصم الغربيّة، لكن هذا لا يلغي القلق المستمر من إحتمال عدم إستمرار المسار الحالي، لا سيّما أنّ العالم يتّجه، يوماً بعد آخر، إلى إنقسام حاد على المستوى الدولي، الأمر الذي من الطبيعي أن يكون له تداعيات على تموضع الدول العربيّة والإقليميّة.

في مطلق الأحوال، ما يمكن الحديث عنه هو أن المنطقة تعيش أجواء إيجابية من الممكن الإستفادة منها، لا سيما من قبل الدول التي كانت ساحات صراع، عسكري أو سياسي، في السنوات الماضية، ولبنان قد يكون من أبرزها، نظراً إلى أنه دفع ثمناً كبيراً نتيجة ذلك، بالرغم من تحييده عن معادلة الإنفجار الشامل الذي شهدته أكثر من ساحة أخرى، ضمن ما كان يعرف منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 بالمظلة الدولية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هناك مجموعة من الملفات المحلية ذات الطابع الإقليمي التي تحتاج إلى معالجة سريعة، التي تبدأ من ملف النازحين السوريين الضاغط على كافة المستويات الإقتصاديّة والإجتماعيّة، ولا تنتهي عند الإستحقاق الرئاسي الذي ينتظر فيه الأفرقاء اللبنانيون المزيد من المؤشرات الخارجية، بل تشمل أيضاً الواقع المالي الذي يتطلب مساعدات ضخمة، يتّفق الجميع على أنّ مصدرها الأساسي هو الدول الخليجية.

هنا، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذا الواقع يتطلب تعاطياً لبنانياً مختلفاً مع التطورات القائمة، خصوصاً أنّ هذه الأخيرة لا تعني أنّ هناك من هو مشغول في كيفيّة معالجة الخلافات المحلية، بسبب الإنشغال الحاصل في العديد من الملفات الأخرى التي تكتسب أهمية أكبر، لكن في المقابل ليس هناك ما يمنع اللبنانيون من الذهاب إلى معالجة مشاكلهم بأنفسهم، الأمر الذي قد يكون هو المقدمة نحو تقديم المساعدة لهم، وهو ما يبرز في المواقف السعوديّة المستجدة من الملف اللبناني.

منذ ما قبل نتائج الإنتخابات النّيابية الماضية، كانت الكثير من الأسئلة تطرح، لا سيما بعد بروز التوازنات الحالية في المجلس النيابي، حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة، التي كان من المتوقع مسبقاً الوصول إليها، حيث كان هناك من يفترض أن الأمر بحاجة إلى ما يشبه إتفاق الطائف، في حين يرى آخرون أن الحل قد يكون من خلال تسوية تشبه إتفاق الدوحة.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، المشكلة الحقيقية تكمن بأن الأفرقاء يظنون أنهم محور الكون، وبالتالي من المفترض أن تتحرك مختلف دول العالم لمعالجة خلافاتهم اليومية، وهو ما يدفعهم إلى ربط الإستحقاقات المحلية بأخرى ذات طابع إقليمي أو دولي، وفي بعض الأحيان يلجأون إلى إختراع التوترات، التي يعتقدون أنها ستدفع تلك الدول إلى التحرك سريعاً.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن هناك لحظة إقليمية مساعدة اليوم، من الممكن إستغلالها لإنضاج تسوية محلية، أيّ المبادرة الداخليّة بدل الإستمرار في حالة إنتظار وصول قطار التسوية إلى لبنان، خصوصاً أنّ هذا القطار لديه العديد من المحطّات التي تسبق محطة بيروت، كما ليس هناك ما يمنع حصول تطورات تعرقل مسيرته، وبالتالي العودة إلى الأجواء الماضية.